مئة يوم على حرب غزة .. وبلينكن يضغط لمنع توسّع الصراع
تقترب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من إتمام مئة يوم دون أن يتمكن جيش الاحتلال ومن خلفه حكومة بنيامين نتنياهو، من تحقيق أي من أهداف العملية التي شنّت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ردّاً على «طوفان الأقصى»، في حين عاد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أدراجه إلى واشنطن، بعد أسبوع كامل من الجولات المكوكية على بلدان المنطقة، تحت عنوان «منع توسّع الحرب»، تاركاً المنطقة على صفيح ساخن سرعان ما ازداد سخونة مع شن ضربات أميركية–بريطانية على اليمن بزعم تأمين الملاحة والتجارة الدولية عبر باب المندب والبحر الأحمر، فيما لاتزال الجبهة اللبنانية على حماوتها مع استمرار المقاومة باستهداف العمق الإسرائيلي بوتيرة متصاعدة.
وبعد سلسلة المجازر الأخيرة التي ارتكبها جيش الاحتلال، أعلنت وزارة الصحة في غزة، الخميس الماضي، حصيلة جديدة لضحايا العدوان بوصول عدد الشهداء إلى 23 ألفاً و469 وأكثر من 59 ألفاً و600 مصاب، مشيرة إلى أن 6,200 من الجرحى بحاجة ماسة للخروج من قطاع غزة لتلقي العلاج. وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين إلى 117 منذ بدء الحرب التي أسفرت أيضاً عن تدمير الاحتلال 380 مسجداً وثلاث كنائس يعود بناء بعضها إلى أكثر من ألف عام، كما تم تدمير نحو 70 بالمئة من جميع المنازل والمباني في غزّة.
وحوّلت ماكينة العدوان، القطاع إلى خراب مع أحياء كاملة لم يبق منها سوى أنقاض ونظام صحي منهار ومشارح تغص بالعائلات الثكلى ومواطنين منهكين ويعانون من ظروف إنسانية صعبة للغاية.
خفض السقف
مع ترسخ القناعة لدى قادة الاحتلال بصعوبة القضاء التام على «حماس»، بدأت إسرائيل بتخفيض سقف توقعاتها من الحرب فيما بدأ الإعلام الأميركي يتحدث عن هزيمة لا مفر منها.
وأكّد موقع «ذا هيل» أنّ من الصعب فهم الهزيمة التي لحقت بإسرائيل في غزّة، بصورة كاملة، لأنّها «هزيمة عميقة ومتعددة المستويات، وعواقبها مجهولة حتى الآن».
وقال الموقع الأميركي إنّه حتى لو لم تتم إدانة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بالإبادة الجماعية «فإنّها والولايات المتحدة خسرتا الحرب في غزّة».
ولفت «ذا هيل» إلى أنّ «إسرائيل فقدت مكانتها الأخلاقية»، سواء أكان ما حدث إبادة جماعية، أم لا، مضيفاً أنّ هناك مؤشرات قوية على الإبادة الجماعية، لكن «حتى لو تمّت تبرئة إسرائيل»، فإنّها «خسرت الحرب منذ اليوم الأول، ومع مرور الأيام تزداد خساراتها».
وأشار الموقع إلى أنّ خسائر إسرائيل السياسية آخذة في التصاعد، وانتقد حلفاء لها، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بصورة متزايدة، «سلوكها القاسي»، لكن الرئيس الأميركي جو بايدن، «كان الداعم الوحيد».
ولولا حق النقض (الفيتو) الأميركي الأخير في مجلس الأمن لكان سيتم إصدار أمر لإسرائيل بوقف إطلاق النار في غزّة على الفور، متابعاً أنّ خسارة إسرائيل في غزّة سوف تُغيّر الحسابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
وفي سياق تخفيض سقف التوقعات، ورغم إصرار نتيناهو على المضي قدماً في حربه الشعواء حتى لو استمرت عاماً آخر، يقول الإسرائيليون إنهم يقتربون من إتمام العملية العسكرية في القطاع، بشكلها الحالي، مع الانتقال إلى المرحلة الثالثة، الأقلّ كثافة، والتي ستكون فيها انسحابات للقوات الإسرائيلية من أراضي قطاع غزة. وتنشغل إسرائيل هذه الأيام، بالنقاش حول شكل اليوم التالي للحرب، حيث تقدّم مختلف المؤسسات والشخصيات الإسرائيلية رؤاها لليوم التالي. ومن ضمن هذه المساهمات، كانت لوزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية في الحكومة الإسرائيلية، عميحاي شيكلي، مساهمته أيضاً، حيث نشر على حسابه على موقع «أكس»، صورة خريطة أوضح أنه توصّل إليها «بعد التشاور مع عدد من الخبراء والعناصر المهنيّة في المستويين الأمني والسياسي». وقال شيكلي إنه بادر الى هذه الخطة «مع مجموعة من أعضاء كتلة حزب الليكود». وبحسب شيكلي، فإن النقاط الرئيسية في الخطة هي:
1– إلحاق الضرر بما لا يقلّ عن 75 بالمئة من القوة القتالية لـ«حماس».
2– إحكام القبضة العملياتية الفعّالة على أراضي القطاع.
3– حرمان حركة «حماس» من السيطرة على الجانب المدني والإنساني في القطاع.
في المقابل، تحافط المقاومة على نسق ثابت من الاستنزاف المكلف لجيش الاحتلال الذي يطمح إلى تحويل القطاع إلى منطقة عمليات مفتوحة ورخوة، مثل مدن الضفة الغربية تماماً، وفقاً لحديث وزير الجيش، يوآف غالانت. وبينما تزعم إسرائيل أنّ تخفيف الضغط الميداني في شمال غزة، هو مطلب متبادل لما تبقى من قوات المقاومة المنهكة، ولجيشها الذي سئم القتال، تؤكد المقاومة الفلسطينية في كل يوم أنها متماسكة ومتفوقة تكتيكياً.

حصيلة الشهداء تتجاوز ٢٣ ألفاً في قطاع غزة
العدل الدولية
وسط ترحيب فلسطيني، أثارت القضية المرفوعة من طرف جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، بشأن الحرب المستمرّة على قطاع غزة، جنون إسرائيل، ومعها راعيتها الولايات المتحدة، بعد أن اتّهمت بريتوريا، تل أبيب، بارتكاب جرائم «إبادة جماعية» بما يتعارض مع «اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية» لعام 1948، والموقّع عليها من قبل جنوب أفريقيا وإسرائيل، التي لم يتوقّع مسؤولوها ربما أن يحاكَموا يوماً، بتهمة خطيرة للغاية، كارتكاب جريمة «الإبادة الجماعية». وعلى الرغم من أنه يصعب التعويل الجدّي على هذا النوع من الدعاوى والمحاكمات، في نظام دولي مختلّ، بقيادة الولايات المتحدة، لا يزال يحتفظ بموقف «المدافع» عن إسرائيل، بوصفها جزء لا يتجزّأ من القوى الغربية، إلا أن حتى المحاكمة «الشكلية» والرمزية للكيان، والتي تخلّل يومها الأول عرض تصريحات ومقاطع فيديو وصور، إسرائيلية المصدر، تُثبت ادّعاء جنوب أفريقيا، أثارت جنون المسؤولين الإسرائيليين، ودفعتهم إلى رفع الصوت عالياً في وجه المحكمة و«الأمم المتحدة».
ويتوقع الفريق القانوني لجنوب أفريقيا صدور قرار من محكمة العدل الدولية بوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة؛ ويرى أنه من الصعب على المحكمة تجاوز الحقائق القانونية التي تم تقديمها، والتي تثبت وجود نية مسبقة للإبادة الجماعية، وفق ما قاله المتحدث باسم الفريق زين دانغو.
اليمن
بعد ساعات قليلة من مغادرة بلينكن للمنطقة، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن نجاح ضربات على عدد من الأهداف يستخدمها «أنصار الله» في اليمن «لتعريض حرية الملاحة للخطر» في البحر الأحمر. وأشار إلى أن الضربات نفذتها القوات الأميركية بالتعاون مع بريطانيا وبدعم من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا. من جانبه، أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن المملكة المتحدة ستدافع دوماً عن حرية الملاحة وتدفق التجارة. وأضاف بايدن في بيان أصدره البيت الأبيض أن الضربات هي رد مباشر على هجمات الحوثيين غير المسبوقة ضد السفن البحرية الدولية في البحر الأحمر بما في ذلك استخدام الصواريخ الباليستية.
وقال بايدن إنه «لن يتردد» في إعطاء توجيهات لاتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية الشعب الأميركي والتدفق الحر للتجارة الدولية حسب الضرورة.
ولفت الرئيس الأميركي إلى أن أطقماً من أكثر من 20 دولة تعرضوا للتهديد أو أخذوا كرهائن في أعمال القرصنة في البحر الأحمر، مبررا ما وصفه بالإجراء الدفاعي وأنه جاء اليوم في أعقاب الهجمات المتصاعدة التي يشنها الحوثيون ضد السفن التجارية.
من جهة أخرى، نقلت «سي أن أن» عن مسؤول أميركي أن من أهداف جولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن في المنطقة إخبار القادة الإقليميين أن قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد الحوثيين يجب أن يُنظر إليه على أنه دفاعي وليس تصعيدياً.
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤول أميركي أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة شن أكثر من 12 غارة على أهداف للحوثيين تشمل مواقع إطلاق صواريخ ومسيرات وكذلك رادارات ومخازن أسلحة.
وبحسب وكالة «رويترز» تم استهداف مواقع في العاصمة صنعاء ومحافظات الحديدة وصعدة وذمار.
وشدد منسق السياسات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي على أن الولايات المتحدة لا تسعى للصراع وستتشاور مع شركائها بشأن الخطوات التالية إذا استمرت الهجمات.
وبانتظار الرد اليمني، كان زعيم جماعة «أنصار الله» عبدالملك الحوثي قد استبق الغارات متوعداً بأن أي اعتداء أميركي على اليمن لن يبقى دون رد. وأضاف أن موقف واشنطن ولندن لن يمنعهم من وقف الجرائم الإسرائيلية.
من جانبه، طالب عضو المجلس السياسي الأعلى لجماعة «أنصار الله» محمد علي الحوثي بوقف فوري للهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة. ودعا على موقع «أكس» مجلس الأمن إلى رفع الحصار الإسرائيلي الأميركي، معتبراً إياه سلاحاً قاتلاً يمارس العقاب الجماعي ضد السكان. وأكد أن ما تقوم به قوات جماعته في البحر الأحمر يأتي في إطار الدفاع المشروع، محذراً من أي اعتداء.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، كثف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر ضد سفن يرون أنها على صلة بإسرائيل. ومساء الثلاثاء الماضي، أسقطت القوات البريطانية والأميركية مسيرات صواريخ أطلقها الحوثيون في البحر الأحمر، في «أكبر هجوم» للحوثيين حتى الآن.
لبنان
على الجبهة اللبنانية، وبعد اغتيال قيادي رفيع آخر في صفوف المقاومة، ازدادت المواجهة سخونة لكنها ظلت ضمن ضوابط أميركية حرص المستشار الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين على تثبيتها وصولاً إلى وقف إطلاق النار على طول الجبهة، استناداً إلى نظرية «دخول الحرب على غزة مرحلتها الثالثة»، وقد روّج الأميركيون للخطوة باعتبارها تطوراً في موقف إسرائيل، وأنها «تمثل وقفاً فعلياً للعمليات العسكرية الكبيرة». وهو ما حمله هوكشتين معه إلى لبنان بحديثه عن ضرورة «وقف العمليات العدائية» مضيفاً إليه تفسيره المخادع، بأن الوضع في غزة سيتحول من حرب إلى منطقة عمليات عسكرية موضعية. وبالتالي، يعتقد هوكشتين، أن هذا «يمكن أن يُفسر بأنه وقف للحرب على غزة، وبالتالي، لم تعد هناك حجة لدى لبنان لاستمرار تغطية عمليات حزب الله على الحدود».
وبعد اجتماعات عدة عقدها مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ومسؤولين آخرين، قالت مصادر مطّلعة إن هوكشتين «أثار عدة نقاط، بينها البحث عن حل سياسي يؤدي إلى وقف إطلاق النار، أو حصر المواجهة في مساحة محددة في حال لم تتوافر ظروف الحل السياسي، ثم معالجة النقاط العالقة على الحدود بعد وقف إطلاق النار في غزة وانسحاب ذلك على لبنان». وقالت المصادر إن هوكشتين «لم ينقل رسائل تصعيد من كيان الاحتلال، بل تعمّد الإشارة تكراراً إلى أن هناك ليونة في إسرائيل كتلك التي شعر بها في لبنان، وأنه تحدّث عن إعادة الاستقرار إلى جنوب لبنان دون الدخول في تفاصيل ترسيم الحدود».
وفي وقت لاحق، صدر بيان عن وزارة الخارجية الأميركية قال إن هوكشتين استهدف من لقاءات بيروت «دفع المناقشات لاستعادة الهدوء على طول الخط الأزرق، وأكدت أن الولايات المتحدة أوضحت أنها لا تدعم امتداد الصراع إلى لبنان».
Leave a Reply