نظمت صحيفة «صدى الوطن» بالشراكة مع صحيفة «هافينغتون بوست» الالكترونية، ندوة بعنوان «العرب والمسلمون الأميركيون بعد 11 سبتمبر» تمحورت حول التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة عموماً، وفي منطقة مترو ديترويت بشكل خاص.
الندوة –التي عقدت في «قاعة بيبلوس» بمدينة ديربورن مساء الثلاثاء الماضي– جاءت في إطار جولة إعلامية تقوم بها «هافينغتون بوست» وتشمل 20 مدينة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، تحت عنوان «الإصغاء إلى أميركا».
وضمت الندوة التي أقيمت في ديربورن، ممثلين منتخبين وناشطين عرباً ومسلمين أميركيين تحدثوا عن المحنة العميقة والمستمرة التي يعانيها أبناء الجالية منذ قرابة عقدين من الزمن، جراء إدراج آلاف العرب والمسلمين الأميركيين على لوائح المراقبة الالكترونية، لاسيما على لائحتَّي «مراقبة الإرهاب» و«منع السفر جواً».
ووصف مدير الندوة، ناشر صحيفة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني، السياسيات والبرامج الحكومية المناط بها مراقبة الجاليتين العربية والإسلامية في مدينة ديربورن بأنها «تغرق ديربورن في فوضى عارمة»، خاصة وأن «الحكومة الأميركية واظبت في السابق على نفي وجود لوائح وبرامج مراقبة، ولكنها اضطرت مؤخراً للاعتراف بوجود تلك اللوائح التي يكاد يكون من شبه المستحيل على الأشخاص المدرجين فيها أن يزيلوا أسماءهم منها».
كما انتقد السبلاني الإدارة الأميركية لمواصلتها دعم العدوان والحصار الذي ينفذه التحالف السعودي على اليمن، وتجاهلها في الوقت عينه لمعاناة عشرات آلاف اليمنيين الذين ينزحون إلى جيبوتي وإثيوبيا وغيرها من بلدان إفريقيا، هرباً من الموت والفقر. وقال «إننا نقصف بلدهم ونقتلهم ومن ثم نمنعهم من اللجوء والسفر إلى بلادنا».
وتوجه السبلاني بالشكر لصحيفة «هافينغتون بوست» على ما أسماها بـ«المبادرة الاستثنائية لاختيارها مدينة ديربورن بين أكثر من 20 مدينة أميركية»، معبّراً عن فخره بشراكة «صدى الوطن» معها.
من جانبها، تحدثت عضو «مجلس ديربورن التربوي» المحامية فدوى حمود عن تداعيات استهداف العرب والمسلمين بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وتأثيرتها السلبية على النشء الجديد من الطلاب العرب والمسلمين، وقالت «ما دمنا نتحدث اليوم حول هذا الموضوع، فهذا يعني أن المشاكل ما تزال موجودة.. لم يعد سراً أننا غدونا بعد 11 سبتمبر من الجماعات الدينية المستهدفة على نطاق واسع في الولايات المتحدة». أضافت «طلابنا يعيشون في خوف كبير لكونهم مسلمين ويتوجب عليهم الإجابة على أسئلة ليس مطلوباً من أي طالب آخر الإجابة عليها».
ولفت مدير «مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» (كير–فرع ميشيغن) داوود وليد إلى التغيرات العاصفة التي ألمت بأميركا في أعقاب الهجمات الإرهابية، والتي ازدادت حدة وشراسة خلال السنوات الأخيرة، وتعقّدت أكثر مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وأكد أن المسلمين يعانون من التمييز المستمر ضدهم من قبل الهيئات الحكومية والوكالات الأمنية، مشيراً إلى أن «كير» قد رفعت –في وقت سابق– عدة دعاوى قانونية ضد الحكومة الفدرالية في هذا الشأن. واستنكر وليد غياب المعايير المتبعة لإدراج شخص ما على قوائم المراقبة الأميركية، مؤكداً وجود طفل عمره تسع سنوات على إحدى تلك اللوائح. وقال «إن ما يعمّق مشاكلنا هنا، هو أن السياسات الأمنية موضوعة من أعلى الجهات الحكومية في البلاد، والمسؤولون في منطقة ديترويت ينفذون التعليمات وحسب. إنها مشكلة عميقة في مجتمعنا، وكل ما تقوم به المنظمات الحقوقية هو مجرد خدش السطح»، مؤكداً أن «المشكلة أعمق بكثير مما تبدو ظاهرياً لأن الكثير من أعضاء مجتمعنا يتعرضون للتمييز والمضايقة ولكنهم لا يشتكون مما يتعرضون له».
عنصرية متجذرة
وأعاد النائب العربي الأميركي في مجلس ميشيغن التشريعي، عبد الله حمود (ديمقراطي عن ديربورن) التذكير بالتمييز العنصري ضد الأفارقة الأميركيين في المدينة، والذي بدأ قبل هجمات 11 أيلول، لاسيما في عهد رئيس البلدية الأسبق أورفيل هابرد الذي رفع شعار «ديربورن نظيفة»، في إشارة إلى نهجه في العمل على إبقاء المدينة مقتصرة على السكان البيض ومنع السود من الإقامة والتجول فيها.
وأشار إلى أن سلفه، رئيس بلدية ديربورن الأسبق مايكل غايدو، حافظ على التفكير العنصري نفسه. وأضاف حمود «قبل 11 أيلول.. كان لدينا رئيس بلدية قال بكل وضوح.. دعونا نتحدث عن المشكلة العربية».
وأكد النائب العربي أن التعصب والكراهية في الولايات المتحدة ليسا وقفاً على لون حزبي واحد، وإنما تتمدد في الكثير من الشرائح والأوساط الأميركية، وقال «سمعت بأذني بعض الديمقراطيين يقولون: لا نريد مزيداً من العرب والمسلمين في أميركا.. فليعودوا إلى بلدانهم».
عبد الله، انتقد زملاءه في المجلس التشريعي لولاية ميشيغن، قائلاً: «بعض هؤلاء الذين يفترض بهم أن يكونوا أفضل ما يقدمه المجتمع.. لا يرغبون بالعمل معي لأنني مسلم».
وفي السياق ذاته، عزا محامي الحقوق المدنية نبيه عياد تأسيسه لـ«الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» قبل نحو خمس سنوات إلى حقيقة أن «العرب والمسلمين –وبعد ما يزيد عن 10 سنوات من هجمات سبتمبر– قد باتوا مكروهين أكثر من السابق»، مؤكداً أن «الحقوق تؤخذ ولا تعطى».
وشدد عياد على أن العرب والمسلمين هم من أكثر الشرائح ثراء وتعليماً ونجاحاً في الولايات المتحدة و«ليس لدينا ما نعتذر عنه».
وأطلع ناصر بيضون –الرئيس الحالي لـ«الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية»– الحاضرين على طبيعة إجراءات التفتيش والتدقيق التي يتعرض لها في المطارات والمعابر الحدودية، وقال «لقد أصبحت خبيراً في هذه المسألة، ففي كثير من الأحيان يستجوبني ويفتشني أشخاص لا يجيدون القيام بعملهم، فاضطر لإرشادهم إلى ما يتوجب عليهم فعله، من أجل الإسراع بالإجراءات».
وسرد الشيخ حسن حبحاب قصة تعرضه لاستجواب أمني دقيق من قبل سلطات المطار، لتردده المتكرر على دورة مياه، مما أثار شكوك أحد المسافرين فقام بإبلاغ السلطات الأمنية عنه، وقال «بعد تلك الرحلة، كان علي الذهاب إلى كاليفورنيا، وطوال 6 ساعات، لم أجرؤ على الذهاب لدورة المياه تفادياً لإثارة الشكوك».
عضو مجلس ديربورن هايتس البلدي، وسيم (دايف) عبدالله، أكد في مداخلته على ولاء العرب والمسلمين الأميركيين وحبهم لوطنهم أميركا، بالرغم من كل ما يتعرضون له من تمييز وتنميط، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من امتلاكه شركة عقارات ناجحة حلت في المرتبة الأولى في الولايات المتحدة، إلا أنه آثر الترشح للمجلس البلدي من أجل خدمة مدينته ووطنه.
وتحدث الناشط اليمني والي الطحيف عن الأزمة اليمنية بوصفها «الكارثة الأكبر» مقارنة بالكوارث الطبيعية التي ضربت أميركا مؤخراً، وقال «كارثتنا هي من صنع الإنسان»، مشيراً إلى العقبات الكأداء التي يواجهها اليمنيون الأميركيون الذين يسعون لاستقدام أقاربهم وأفراد عائلاتهم من بلدهم المنكوب.
اسألوا هوليوود
الناشط والكوميدي عامر زهر، من ناحيته، أشار إلى أن التنميط المسبق والتشويه المتعمد لصورة العربي والمسلم بدأ منذ بدايات صناعة السينما في هوليوود مما أسهم في شيطنته بنظر الرأي العام الأميركي، وقال «في حادثة القتل الجماعي التي ارتكبها ستيف بادوك، تفادت كل الجهات الرسمية وصف القاتل بالإرهابي مبررين ذلك بعدم وجود دوافع إرهابية»، وتساءل «كيف لم يمتلك بادوك الدوافع (الإرهابية) وامتلكها الطفل أحمد محمد (14 عاماً) صاحب الساعة الشهيرة لمجرد كونه مسلماً؟».
وروى الجندي السابق في المارينز والمرشح لعضوية مجلس ديربورن هايتس البلدي بيل بزي قصة حدثت معه خلال خدمته العسكرية التي امتدت لأكثر من عشرين عاماً، وقال بزي الذي تقاعد من الخدمة العسكرية منذ قرابة السبعة شهور: «طلبت مني القائدة العسكرية في إحدى القواعد الأميركية أن أتحرى كامل الحيطة والحذر لحماية الجنود الأميركيين من أي هجوم إرهابي محتمل يشنه عرب أو مسلمون.. وكان جوابي لها: أنا عربي ومسلم.. وأنا من يقوم بحمايتك وحماية زملائي الآخرين».
الندوة التي تخللتها مداخلات أخرى عديدة، أبرزت حجم المعاناة التي يعيشها العرب والمسلمون في الولايات الأميركية، ولكن بدا واضحاً من مجرياتها أنه –وعلى الرغم من جميع الضغوطات والتضييقات– أبدى أبناء المجتمع العربي والإسلامي في منطقة ديترويت رفضهم للانزواء والاستسلام، وإصرارهم على النجاح والنضال من أجل نيل حقوقهم المدنية والدستورية، وتحسين ظروفهم الحياتية والمعيشية.
وفي هذا السياق قال السبلاني «على الرغم من جميع المشاكل والضغوطات، فإن المجتمع العربي والإسلامي هو من أنجح المجتمعات في الولايات المتحدة».
تجدر الإشارة، إلى أن الندوة قد بثت مباشرة على صفحتي «صدى الوطن» و«هافينغتون بوست» على موقع «فيسبوك»، وقد استقطبت ما يزيد عن 80 ألف مشاهدة.
Leave a Reply