فرّقهم حكمه .. وجمعهم مقتله
خيّم الحداد على أوساط الجالية اليمنية في الولايات المتحدة بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على أيدي مقاتلي «أنصار الله» الذين كانوا –حتى الأسبوع الماضي– يتصدون في صف واحد بوجه عدوان التحالف السعودي على بلادهم.
وسجّلت ردود الفعل الشعبية على مقتل «الزعيم» –كما بات يلقب بعد خروجه من السلطة في 2012 – مفارقة حاسمة الدلالة لدى معظم فئات الشعب اليمني وشرائحه، إذ وحّد اغتيال صالح اليمنيين حول ضرورة إنهاء الحرب التي تنهش اليمن منذ ثلاث سنوات، وعدم السكوت عن مقتل الرئيس السابق الذين لطالما كانوا منقسمين حوله وهو في سدة الحكم.
حكم صالح البلاد 33 عاماً بطريقة وصفها هو نفسه بـ«الرقص فوق رؤوس الثعابين»، في إشارة إلى التناقضات الداخلية العميقة والخطيرة في اليمن السعيد، ومع ذلك يرى الكثيرون أن «رقصته» الأخيرة، كلفته حياته.
خطأ فادح
يؤكد ناشر «مجلة العربي الأميركي اليوم»، الزميل عبد الناصر المجلي «أن مقتل صالح هو المسمار الأول في نعش الحوثيين»، مشيراً إلى أنهم «ارتكبوا خطأ فادحاً سيسهم في تغيير مجريات الأمور على ساحة الصراع في اليمن».
المجلي شدد في حديث مع «صدى الوطن» على أن ما يحدث في اليمن مختلف تماماً عما يجري في سوريا والعراق، فـ«الصراع في اليمن ليس صراعاً طائفياً وإنما هو صراع جمهوري–ملكي داخل البيت الزيدي، فعبد الله صالح وعبد الملك الحوثي كلاهما من أتباع المذهب الزيدي، ولا توجد تاريخياً أية حساسيات أو مصادمات طائفية بين أتباع المذهبين الرئيسين في اليمن، الزيدي والشافعي»، وفقاً للمجلي الذي أضاف «لقد كان صالح هو الدرع الواقي بين الحوثيين وبين الشعب اليمني كله، وبمقتل الرئيس السابق سقط الغطاء سيقف الشعب اليمني بكل فئاته، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ضد الحوثيين».
وعزا المجلي مأزق الحوثيين بعد مقتل صالح إلى استحالة قدرتهم على حكم اليمن، وقال «الشعب اليمني سيسقط الحوثيين سواء طال الزمان أم قصر، إلا إذا حدثت صفقة بين «أنصار الله» و«حزب الإصلاح» و«المؤتمر الشعبي» و«التحالف» لوقف سيل الدماء، مشدداً في الوقت ذاته على أن «الحوثيين ليسوا أعداءً لليمنيين وليسوا محتلين لليمن، وإنما هم فئة سياسية وعسكرية غالبة، ولا بد من أن يكونوا جزءاً من المعادلة السياسية في البلاد».
بين ليلة وضحاها
في نفس الإطار، وصف الناشط وليد فدامة خبر مقتل صالح بـ«الصاعقة التي أحرقت الأخضر واليابس، ليس فقط بالنسبة لمحبيه وأنصاره، وإنما بالنسبة لمعظم اليمنيين في الولايات المتحدة، من مختلف المناطق والشرائح والخلفيات السياسية والقبلية». وأضاف «لم نتوقع أن يصل الحقد والخيانة والتشفي إلى هذه الدرجة»، معيباً على زعيم «أنصار الله»، عبدالملك الحوثي، دعوته إلى «الصلاة لله حمداً وشكراً لوأد الفتنة»، وتساءل فدامة «كيف أصبح صالح بين ليلة وضحاها عميلاً يقود جيشاً من الميليشيات المسلحة، وهو الذي تحالف معهم ومكّنهم من السيطرة على مرافق الدولة والمدن اليمنية وعلى رأسها العاصمة صنعاء؟».
وكان صالح قد أعلن قبل يومين من مقتله، انقلابه على تحالفه مع الحوثيين (تفاصيل ص 19)
وأعلن الحوثيون في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) مقتل حليفهم السابق علي عبد الله صالح بينما كان يغادر صنعاء.
وأفاد فدامة لـ«صدى الوطن» بأن مقتل «الزعيم» وحّد اليمنيين، وقال «لقد تلقيت مكالمات وبرقيات عزاء من الكثيرين الذين كانوا من المعارضين لسياسات صالح ودوره في الصراع المحتدم في اليمن خلال السنوات السابقة، والذين أبدوا صدمتهم مما حصل وبالطريقة التي قتل بها الرئيس السابق ورفاقه في قيادة حزب المؤتمر الشعبي»، مؤكداً على أن «الحوثيين لم يتوقفوا عند ذلك الحد، وإنما هم مستمرون باعتقال واغتيال العديد من الكوادر الحزبية والشعبية المناصرة لعلي عبدالله صالح».
حفل تأبيني جامع
وأشار فدامة إلى أنه تم الاتفاق مع بعض نشطاء الجالية اليمنية على إقامة «حفل تأبين» لـ«شهيد الوطن» يوم الجمعة، 8 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، في قاعة «النادي اللبناني الأميركي» بديربورن، عند الساعة الخامسة عصراً. وقال «في حفل التأبين سيكون مرحباً بالجميع لتقديم التعازي بشهيد الوطن ورفاقه.. وهذه ستكون مناسبة لكي يجتمع اليمنيون من كافة الشرائح والخلفيات منحّين خلافاتهم واتقساماتهم ومؤكدين على حبهم وولائهم لوطنهم الأم الذي كان الزعيم أحد رموزه الكبيرة التي ستبقى خالدة في قلوب الأجيال القادمة».
ومن المتوقع إقامة مناسبات تأبينية أخرى في الجالية اليمنية للرئيس السابق.
وضع محرج
الناشط عقيل الحالمي –من جانبه– أكد أيضاً أن مقتل صالح هو بداية النهاية لما وصفها بـ«الميليشيات الكهنوتية الظلامية»، في إشارة إلى جماعة «أنصار الله»، وأن اليمنيين ما يزالون في حالة «حزن عميق وذهول وحسرة مما جرى» لافتاً إلى أن «اغتيال الرئيس السابق سيعيد بوصلة الشعب اليمني إلى الطريق الصحيح، فالكثيرون من مناصري الحوثيين باتوا اليوم في وضع محرج ولم يعد بإمكانهم دعمهم».
الحالمي –وهو عضو في «حزب المؤتمر الشعبي العام»– لفت إلى أن «صالح هو من قام بتلميع صورة الحوثيين وأكسبهم شرعية واسعة خلال السنوات الثلاث الماضية، ولكن بعد أن قتلوه ودعوا إلى الصلاة شكراً وحمداً لله على مقتله، استفزوا مشاعر كافة أطياف الشعب اليمني بمن فيه مناصروهم الذين بدأوا ينفضون عنهم.. هذا بدلاً من دعوتهم إلى تنكيس الأعلام حزناً على الشهداء الذين سقطوا من الطرفين»، معتبراً ذلك رسالة واضحة الدلالة في أن «التصفية الجسدية هي مصير من يختلف مع الحوثيين أو يفكر بالانشقاق عنهم».
كما اعتبر المسيرة الحاشدة التي نظمتها جماعة «أنصار الله» في العاصمة صنعاء، في أعقاب مقتل صالح، تأكيداً على «خطئهم القاتل الذي لم يدركوا عواقبه بعد.. فليس لديهم أي منفذ آخر.. إلا بث القتل والرعب.. لقد جاؤوا على ظهور الدبابات واغتصبوا مؤسسات الدولة وغيروا النشيد الوطني.. وهذا لن يقبله الشعب اليمني.. إنهم في ورطة كبيرة».
وعبر عن أمله في أن «يكون لدى الحوثيين مشروع سياسي واضح وأن يحتكموا إلى صنادق الانتخابات بدل الاحتكام إلى السلاح الذي أغرق البلاد بالقتل والتشريد والدمار».
وأشار إلى أن بعض الفعاليات اليمنية في منطقة ديترويت، وفي مقدمتها القنصل الفخري في ميشيغن مختار الجعدني، يتواصلون مع السفارة اليمنية لتنظيم حفل تأبين حاشد للرئيس اليمني السابق، لافتاً إلى أنه لم يتم حتى اللحظة تحديد موعد ومكان الحفل التأبيني.
سقى الله أيام.. عفّاش
وعزا الناشط جهاد الشامي التعاطف الجارف مع مقتل صالح إلى كون الأخير «رمزاً» و«لاعباً سياسياً رئيسياً في البلاد»، فهو كان «قادراً على تشكيل ضغط على كافة التيارات والأحزاب السياسية، بسبب نفوذه وخبرته وبراعته المشهودة، في جلب جميع الأطراف إلى طاولة الحوار».
فصالح «قاتل الجميع وتحالف مع الجميع»، كما يقول المراقبون.
وأكد الشامي أنه برحيل صالح «تغيّر المشهد السياسي والميداني في اليمن الذي سيشهد في الفترة المقبلة مزيداً من المشاكل المتفاقمة والارتباك السياسي»، وقال «عندما كان صالح في الحكم، كنا من معارضيه لأننا كنا ضد الاستبداد والفساد الذي يشلّ مفاصل الدولة، ولكن بعدما ترك سدة الحكم تأكد الكثير من اليمنيين أنه من الصعب الوثوق بأي تيار أو حزب سياسي آخر.. المشهد فيه كثير من الانقلابات وأغلب القيادات السياسية لا يمكن الوثوق بها، لكن صالح وعلى الرغم من جميع سلبيات حكمه كان الرجل القوي في اليمن الذي نجح بتوحيد شطري البلاد رغم جميع العراقيل والصعوبات والتناقضات العميقة بين مكونات الشعب الواحد».
وأكد على أن «صالح ليس رمزاً يمنياً فقط، بل رمز من رموز الأمة العربية سواء اتفقنا أو اختلفنا معه».
بالعودة إلى فدامة، في هذا السياق، فقد أكد على أن «خصوم صالح ومناوئيه سيعرفون قيمته الكبيرة في القريب العاجل». وأضاف «جميعهم سيقولون: سقى الله أيام.. عفّاش»، في إشارة إلى اللقب الذي كان يستخدمه خصوم الرئيس اليمني للحط من قدره وانتمائه!
Leave a Reply