رسالة من ديربورن تطالب الرؤساء الثلاثة في لبنان بإعادة النظر
بتصويت المغتربين في الولايات المتحدة
رفعت لجنة منبثقة عن لقاء تشاوري لمغتربين لبنانيين بمدينة ديربورن الأميركية، رسالة إلى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، تطالب الدولة اللبنانية بما وصفته «تصحيح الخلل المترتب على تصويت المغتربين اللبنانيين في الولايات المتحدة بشكل يحقق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، من مختلف المناطق، وبما يحقق الأمن والأمان لأبناء الجالية اللبنانية المقيمة في أميركا».
الرسالة التي أُبرقت –الثلاثاء الماضي– إلى السفارة اللبنانية في واشنطن، تمهيداً لإيصالها إلى الرؤساء الثلاثة حسب الأصول، أشارت بشكل محدد إلى هواجس المغتربين من المشاركة في الانتخابات النيابية اللبنانية المُزمَع إجراؤها في الولايات المتحدة يوم ٢٩ نيسان (أبريل) القادم، مؤكدة أن شرائح واسعة من اللبنانيين في المهجر الأميركي «لن تستطيع ممارسة حقها الديمقراطي باختيار مرشحيها، خوفاً من احتمال الملاحقة القانونية أو المساءلة من قبل الأجهزة الفدرالية».
وتأتي هذه المخاوف والشكوك على خلفية إدارج الولايات المتحدة لـ«حزب الله» على لائحة الإرهاب وحظرها التعامل معه وتقديم أي شكل من أشكال الدعم له، بحسب الرسالة التي أضافت أنه «في ظل قانون الانتخاب اللبناني الجديد الذي جعل الاقتراع للوائح بكلّيّتها، ومنع انتقاء المرشحين من ضمن هذه اللوائح، فإن شريحة واسعة من اللبنانيين ممن يحق لهم الاقتراع تجد نفسها بمواجهة القانون الأميركي».
ويسمح قانون الانتخاب الجديد بمشاركة المغتربين اللبنانيين في الانتخابات النيابية للمرة الأولى، وتشير الأرقام إلى أن أعداد المسجلين في الولايات المتحدة للمشاركة في الانتخابات النيابية تقدر بحوالي 10 آلاف ناخب، بينهم حوالي 800 في منطقة ديترويت التي تضم أكبر تجمع للبنانيين في الولايات المتحدة.
لا ضمانات
وعزت الرسالة انخفاض أعداد الناخبين المسجلين إلى عزوف السواد الأعظم من أبناء الجالية عن التسجيل بسبب «خشية الكثيرين منهم من المساءلة القانونية إذا ما أدلوا بأصواتهم لأي من اللوائح التي تضم مرشحي حزب الله».
وفي حديث مع «صدى الوطن»، أشار السفير اللبناني لدى واشنطن غابريل عيسى إلى أن إجراء الانتخابات النيابية اللبنانية على الأراضي الأميركية «يتم بموافقة وزارة الخارجية الأميركية ومعرفتها بكافة التفاصيل المتعلقة بلوائح الشطب ومراكز الاقتراع الـ23 في جميع أنحاء أميركا».
وأشار إلى أن الخارجية الأميركية لم توافق على هذه الخطوة إلا على ضوء استشارات قانونية، مؤكداً أن «الإدارة الأميركية تشجع على إجراء الانتخابات النيابية في لبنان».
وأبدى عيسى تفهمه لقلق اللبنانيين وتخوفهم من «التصويت للوائح معينة»، مستدركاً «لكن هذه ليست المرة الأولى التي تُجرى فيها انتخابات نيابية لبلد تصنف بعض أحزابه ضمن المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة»، لافتاً إلى أنه «في السابق تم افتتاح مراكز اقتراع في جميع أنحاء أميركا للمشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية، على الرغم من كون بعض التنظيمات العراقية مدرجة ضمن المنظمات الإرهابية».
أضاف «فيما يخص المساءلة، وإذا ما قررت الداخلية الأميركية القيام بهذا الأمر.. فلا يمكنني أن أضمن للبنانيين أن شيئاً من هذا القبيل لن يحصل».
وأكد أن السفارة اللبنانية لدى واشنطن ستقوم بإبلاغ الرسالة وإيصالها إلى الرؤساء الثلاثة، كما أنها ستنشر خلال الأيام القادمة على موقعها على الانترنت بياناً يتضمن رأياً قانونياً حول هذه المسألة.
اجتماع ديربورن
وكان عدد من النشطاء اللبنانيين قد استجابوا –يوم الاثنين ٢ نيسان (أبريل)– لدعوة «النادي اللبناني الأميركي» بديربورن، لعقد لقاء تشاوري لإيجاد السبل الكفيلة بضمان انتخابات عادلة ومتكافئة لجميع الناخبين والمرشحين اللبنانيين –لاسيما في الولايات المتحدة والدول التي تصنف «حزب الله» كمنظمة إرهابية– وكذلك لإبلاغ الدولة اللبنانية بهواجس المغتربين ومخاوفهم القانونية من الاقتراع للوائح معينة، مما يقوّض مبدأ المساواة بين الناخبين والمرشحين.
واستبعد رئيس القضاة في محكمة ديربورن، القاضي سالم سلامة أن «سرية التصويت لن تكفل حرية الناخبين ولن تضمن تجنبيهم من المساءلة القانونية»، وقال: «للأسف إن بعض اللبنانيين ملكيون أكثر من الملك، وتعاطي الدولة اللبنانية مع أمور كهذه في السابق لا يطمئن».
وساق سلامة أمثلة في هذا الإطار، قائلاً «كلكم تذكرون.. عندما فرضت عقوبات على بعض المصارف والمؤسسات والشخصيات اللبنانية حيث سارع البعض إلى التبرع بتقديم معلومات عنهم للسلطات، كما وصلت الأمور –فيما يتعلق بالمحكمة الدولية (الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري)– إلى العيادات النسائية والسجلات الطبية لبعض الأشخاص».
وانتقد السياسة الأميركية في بلدان الشرق الأوسط، وقال «نحن لا نوافق على الكثير من السياسات الأميركية في لبنان، وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً، لكننا في نهاية المطاف مواطنون أميركيون ونلتزم من حيث المبدأ التزاماً كاملاً بالقوانين الأميركية، لكن لا شيء يمنع من أن يأتي يوم وتُسلّم فيه القسائم الانتخابية، المفترض أنها سرية، (للحكومة الأميركية) وأن يتم استخدامها للابتزاز والضغط على بعض اللبنانيين الأميركيين».
وأضاف «الإجحاف الواقع علينا ليس فقط بسبب العملية الانتخابية وإنما بسبب تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومن هذا المنطلق لدينا فعلاً مخاوف حقيقية فيما يخص المشاركة بالاقتراع».
الزميل الصحافي علي منصور أكد من ناحيته، أن الحيف لا يطال فقط من يريدون التصويت مباشرة لمرشحي «حزب الله» ولكنه يطال أيضاً محازبين وناخبين آخرين، وقال «قد لا يكون في نية الناخب التصويت لمرشحي «حزب الله» ومع ذلك فقد تطاله الملاحقة القانونية، فمثلاً إذا صوّت شخص لمرشح «التيار الوطني الحر» في منطقة بعبدا –آلان عون– فقد يُسأل عن ذلك، بسبب وجوده في نفس اللائحة التي تضم مرشح «حزب الله»، وبحسب قانون الانتخاب الجديد، لا يمكن للناخب أن يختار المرشحين الذين يريدونهم وإنما يجب عليه التصويت للائحة كاملة».
وأكد منصور أن ناخبي الجنوب ومنطقة بعلبك–الهرمل هم «الأكثر تضرراً، لكن هذا لا ينفي الضرر الواقع على الآخرين»، مشيراً إلى أن «هذه المشكلة ستتفاقم خلال الدورات الانتخابية القادمة»، ودعا إلى مخاطبة الحكومة اللبنانية لإيجاد حل مناسب لهذه المعضلة.
وفي السياق، أكد ناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني أن مبدأ تكافؤ الفرص ليس غائباً عن الناخبين وحسب، وإنما أيضاً عن المرشحين، وقال «في الآونة الأخيرة قام وزير الخارجية جبران باسيل بجولة انتخابية في أميركا وكندا واستراليا وغيرها من البلدان الأخرى، وفعل الشيء نفسه وزير السياحة أفيديس كيدانيان الذي زار عدداً من المدن الأميركية بينها ديربورن، ولكن هل يستطيع مرشح «حزب الله» محمد فنيش –مثلاً– أن يمارس حقه الدستوري ويقوم بجولة انتخابية مماثلة؟».
أضاف «في ديربورن يوجد حوالي 800 مسجل للمشاركة في الانتخابات النيابية القادمة، ونحن ندرك سبب انخفاض هذا الرقم، كما نعلم لمن سوف تذهب هذه الأصوات، هذه الأصوات ستذهب إما لمرشحي الجنوب أو لمرشحي البقاع وبعلبك، والسؤال: هل يعتبر التصويت لمرشحي «حزب الله» شكلاً من أشكال الدعم الذي تحظره الحكومة الأميركية».
وأشار السبلاني أنه للإجابة على هذا السؤال فقد تم التواصل مع المدعي العام الفدرالي بشرقي ميشيغن ماثيو شنايدر الذي طلب بدوره أن يتم توجيه السؤال خطياً لإحالته إلى وزارة العدل الأميركية للبت فيه.
وأشار إلى أن الدولة اللبنانية حين سمحت للمغتربين اللبنانيين بالمشاركة في الانتخابات «لم تفكر بهذا الموضوع ولم تقم باستشارة أو استمزاج آراء المغتربين»، وحمّلها مسؤولية القرارات غير المدروسة في هذا الخصوص، وقال «المسؤولون في لبنان لا يهتمون حقاً بالمهاجرين ولا يدرسون القرارات المتعلقة بهم دراسة جدية». مؤكداً أن «الناس متوجسون فعلاً من هذا الموضوع ومترددون في المشاركة الانتخابية».
القاضي المساعد في محكمة ديربورن هلال فرحات تلا نصاً يتحدث عن أشكال الدعم المحظورة للمنظمات الإرهابية بحسب القانون الأميركي، والتي تتضمن «كافة أشكال الدعم المادية والحسية». وقال «على الرغم من أن الاقتراع الانتخابي يندرج ضمن حريات التعبير المكفولة بحسب الدستور الأميركي، فإن مخاوف بعض المغتربين مشروعة، لأننا جميعاً نعلم أن الأولوية في الولايات المتحدة باتت للأمن وليست للحريات المدنية».
فرحة لم تكتمل
وأعرب مؤسس «النادي اللبناني» علي جواد عن سعادته بالسماح للمغتربين اللبنانيين بالمشاركة في الانتخابات اللبنانية، مشيراً إلى أن هذه السعادة «سرعان ما تبخرت على ضوء الهواجس القانونية»، وقال «في البداية تحمسنا.. ولكن لم يبادر إلى التسجيل سوى 800 شخص، وهذا العدد لا يصنع فرقاً في الانتخابات».
أضاف «حتى في حال التوصل إلى مخرج قانوني مع وزارة العدل الأميركية فهذا لا يشكل ضمانة.. لدينا تجارب سابقة في هذا المضمار.. في كثير من المرات تعهدوا بعدم الملاحقة القانونية ولكنهم لم يفوا بوعودهم»، لافتاً إلى أن الأمر حصل في السابق مع «جمعية المبرات الخيرية» في ديربورن.
واقترح جواد أن يتم تشكيل لجنة مكونة من عدة أشخاص لإعداد رسالة إلى الرؤساء الثلاثة في لبنان لـ«وضعهم في الصورة» ومطالبتهم بإيجاد حل لهذه المشكلة المستجدة، بما يضمن العدالة والمساواة أمام جميع الناخبين وضمان الإدلاء بأصواتهم لمن يستحقها في البرلمان اللبناني.
وبإجماع الحضور تم تشكيل لجنة مكونة من مؤسس «النادي اللبناني الأميركي» علي جواد، وناشر صحيفة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني، والقاضي المساعد في محكمة ديربورن هلال فرحات، والناشط زهير علوية.
Leave a Reply