فشلت زيارة نائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد ولش الى بيروت جولة الرئيس بري العربية الرامية الى معالجة ازمة العلاقات السورية – السعودية، ولو ان هذه الزيارة تمت تحت عنوان آخر هو المشاركة في إحياء ذكرى مرور 25 عاما على تفجير مقر السفارة الأميركية في بيروت عام 1983.لقد تصدت زيارة ولش لمهمة الرئيس بري وعطلت مفاعيلها عبر التأكيد الذي ساقه الزائر الاميركي من ان حل الازمة اللبنانية يبدأ بالانتخاب الرئاسي، ما مغزاه بأن كل الجهود المبذولة لفتح كوة في العلاقات السورية-السعودية ذهبت ادراج الرياح، ومؤداه ايضاً انه اذا كانت سوريا تملك قرارها فإن السعودية لا تملكه، لانه مستودع لدى ادارة الزائر الضيف، والى اجل غير مسمى. فالادارة الاميركية مستعدة وجاهزة لان تسخر كل امكاناتها وتضعها في تصرف السعودية خدمة لمعركتها في وجه سوريا، واذا كانت السعودية اختارت المواجهة بملئ ارادتها او استدرجت اليها «عنوة» او «غباوة»، فإنها قطعاً لا تملك الارادة الفعلية للانسحاب او التراجع او التنازل او الاقدام على حل لا يرضي واشنطن. واذا كانت التقاطعات المصلحية بين واشنطن والرياض واحدة في الوقت الحالي، فإنها ليست واحدة اذا ما وصلت الاوضاع الى حد التفجير ووقعت المواجهة العسكرية في منطقة انظمتها هشة وتعتمد بالدرجة الاولى على النفط الذي ستتحول حقوله الى حرائق متنقلة بين انظمة الخليج.فقد اعاد ولش التأكيد ان الحل لا يمكن ان يمر الا من خلال الادارة الاميركية غير المستعدة لتقديم اية تنازلات في هذا السياق، ما دامت المعركة تدور على ارض غير ارضها، وما دامت ادوات المعركة طيعة ومستعدة للمجازفة بمصير الوطن. المحكمة الدولية لم تزل مشهورة بوجه سوريا، ومسلسل الضغوط لم يزل مستمراً، وفي المرحلة القادمة ستزداد الضغوط و«ما عليكم سوى الترقب والانتظار وعدم الخوف والتراجع والانكسار»، هذا ما قاله ديفيد ولش لجماعة «14 آذار» في الامانة العامة من غير ان ينسى تنبيههم بوجوب اخذ الحيطة والحذر لان هناك مسلسلاً جديداً من التفجيرات والاغتيالات تنوي الخلايا النائمة للمخابرات السورية في لبنان تنفيذه، ما دفع «فيلسوف 14 آذار» سمير جعجع بالخروج، كما درجت عادته، وتوقع مسلسل التفجيرات الذي ما ان تمر ايام او اسابيع حتى تتحقق تنجيمات الحكيم!! فتستعيد قوى «14 آذار» رونقها السياسي وتعيد شحن جماهيرها بقدر من العنصرية والعصبية ما يسمح لها باعادة صياغة خطاباً سياسياً حيوياً يخاطب لاوعي جماهيرها المخدرة برائحة البارود المتصاعد من افواه سياسييها بفعل خطاباتها النارية الحارقة للوطن، استكمالا لما بدأته عملياً على ارض الواقع. فتصل الاوضاع الى ذروتها وتخرج الصرخات من المختارة ومعراب وقريطم (أو الرياض) بوجوب حماية لبنان وانقاذه من البراثن السورية، فيجتمع مجلس الامن، وطبعاً لن تبخل الدول بتقديم المشاريع الجاهزة في الادراج من اجل حماية لبنان وانقاذه، والنتيجة المزيد من التدويل وصولاً الى محاولة التغيير في بنود الـ1701 ومحاولة التغيير في صلاحيات قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب، ما يؤدي عملياً الى محاصرة سلاح المقاومة وتطويقه والحد من هامش حركته حتى الوصول الى الهدف المرتجى: تعطيل فعالية سلاح المقاومة بعد فشل نزعه. ثم يعود لبنان لقمة سائغة في فم الكيان الاسرائيلي، وتستباح الاراضي اللبنانية متى شاءت اسرائيل، وتتحول الساحة الجنوبية الى ساحة رماية، وتصبح البيوت اللبنانية اهدافاً يتبارى الطيارون الصهاينة في اصابتها ومحوها عن وجه البسيطة.لكن في المقلب الآخر، خطاباً مغايراً لما تطمح له قوى «14 آذار» وهذا ما عكسه الرئيس السوري بشار الاسد في حديثه الأخير أمام حشد من المثقفين العرب عن أن سوريا مستعدة للحرب، وهي تعمل على اساس انها حاصلة ومحققة في المنطقة. والاهم في حديثه انه جعل من حرب تموز 2006 مفصلاً محدداً لدفة الصراع العربي – الاسرائيلي، وكأنه يقول اذا كانت المقاومة في لبنان على قلة عديدها وعتادها نسبياً قد هزمتكم هزيمة نكراء فما بالكم اذا حذت سوريا حذو المقاومة في لبنان، وهي فعلاً قد بدأت…
يؤشر خطاب الرئيس الاسد الى ان سوريا خرجت من طور الضغوط واستيعاب الصدمات الى طور الهجوم والمقاومة وتوجيه الصفعات، لا بل خرجت الى مقابلة التهديد بالتهديد، وأي تهديد؟.. بأشاوس المقاومة في لبنان.
Leave a Reply