غزة – في مشاهد «مأساوية» عكست عمق الأزمة الخانقة في قطاع غزة، اندفع مئات آلاف الفلسطينيين على شكل سيول بشرية، نحو الأراضي المصرية، بعدما فجّر مجهولون أجزاءً كبيرة من الجدار الخرساني على الحدود المصرية-الفلسطينية في مدينة رفح، جنوب القطاع.
ويفتح سقوط حاجز رفح، الذي رافقته تظاهرة غاضبة في أنحاء الوطن العربي، ثغرة جديدة في جهود اسرائيل التي تتعرض لهجمات صاروخية متكررة من قطاع غزة الذي تحكمه «حماس» لمواصلة الضغط علي القطاع في مواجهة انتقادات دولية بسبب نقص السلع والوقود ومحنة الفلسطينيين. لكن الولايات المتحدة حليف اسرائيل الرئيسي هبت للدفاع عنها. وقالت دانا بيرينو المتحدثة باسم البيت الابيض ان «الفلسطيين في غزة يعيشون في فوضى بسبب «حماس» وينبغي أن يقع اللوم عليهم بالكامل». أمّا في نيويورك، فقد عملت إسرائيل بكامل جهدها لمنع إصدار أي بيان في مجلس الأمن الدولي يطالب برفع الحصار عن غزة، فيما تمسّكت الولايات المتحدة بموقف سلبي من مشروع البيان الذي قدمته المجموعة العربية ورأته غير صالح للمناقشة، إلا أنّها تركت المفاوضات للجانب البريطاني.وبعد التراجع الأوّل عن قرار لمجلس الأمن الدولي إلى بيان رئاسي غير ملزم، لا يظهر أن هناك قعراً لمدى التساهل من المجموعة العربية التي عانت انقسامات خطيرة في الرؤى والأساليب المتبعة.وتواصلت المفاوضات في مسعى حثيث لإخراج أي بيان، وأدخلت عبارات جديدة تتعلق بإطلاق الصواريخ والقنص إرضاءً للجانب الإسرائيلي، وأخرى لمنح السلطة الفلسطينية سيطرة على منافذ قطاع غزة. ومع ذلك، من المستبعد إقرار البيان الرئاسي الذي يحتاج إلى إجماع أعضاء المجلس.وتحولت مدينة رفح الحدودية إلى «قِبلة» للفلسطينيين من أرجاء القطاع، الذين توجهوا للتزود بالمواد الأساسية والوقود والدواء، وكثير من الاحتياجات الحياتية، بعد نحو 7 أشهر من الحصار الخانق وإغلاق المعابر.الأمم المتحدة قدّرت أعداد الذين قطعوا الحدود بنحو 350 ألف فلسطيني على الأقلّ، فيما لفتت مصادر فلسطينيّة إلى أنّ الرقم يناهز نصف مليون شخص.
عبور الحدود جاء بعدما فجّر مجهولون 200 متراً من الجدار، الذي شيّدته إسرائيل قبل أعوام من انسحابها أحادي الجانب من القطاع عام 2005، بواسطة عبوات ناسفة، بعد ساعات قليلة من الصدامات العنيفة بين متظاهرين غالبيّتهم من النساء، حاولوا اقتحام المعبر، وقوّات الأمن المصرية، وعقب تهديدات متنامية في الآونة الأخيرة من فصائل المقاومة بفتح المعبر بالقوة إن لم تقدم مصر على فتحه طواعية لتخفيف وطأة الحصار الخانق عن الفلسطينيين.وفي ظلّ صعوبة المواصلات بفعل أزمة الوقود، تمكّن كثير من الفلسطينيّين من الوصول إلى الحدود بواسطة الدراجات النارية، وسيارات نقل البضائع، بينما استخدم آخرون من المناطق القريبة عربات «الكارو» التي تجرها الحمير والخيول.واختلفت أهداف الفلسطينيّين في اجتياز الحدود بين راغب في زيارة أقاربه في مدينة العريش (تبعد 50 كيلومتراً عن الحدود)، وآخرين دفعهم الخوف من ردّ الفعل الإسرائيلي على تفجير الحدود، فعمدوا إلى التزوّد بكميات كبيرة من المواد الأساسية.وتمكن عشرات الفلسطينيين العالقين على الجانب المصري من معبر رفح من العودة إلى ذويهم في القطاع بعد أشهر طويلة، بينما سعى كثير من الطلبة العالقين في القطاع إلى الالتحاق بدراستهم في الخارج، في وقت كانت فيه غاية مئات المرضى في القطاع الوصول إلى المستشفيات المصرية بغرض العلاج.وحمّلت إسرائيل مصر مسؤولية ما حدث. وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، أرييه ميكيل، في بيان، إنّ الدولة العبرية تتوقع أن تحل مصر المشكلة الحاصلة عند الحدود بينها وبين القطاع. وأضاف إنّه لا توجد لإسرائيل «أي قوات في المنطقة الحدودية عند رفح، ولذلك فإن مصر تتحمّل مسؤولية أن يعمل معبر رفح بالشكل المناسب ووفقاً للاتفاقيات التي وقِّعَت، وبطبيعة الحال، فإننا قلقون من الوضع».من جهته، أكد الرئيس المصري حسني مبارك، أنّه طلب من قوّات الأمن المصريّة السماح للغزّاويّين بالدخول إلى مصر للتزوّد باحتياجاتهم من الغذاء «ما داموا لا يحملون أسلحة». وقال «اليوم عاد عدد كبير من الفلسطينيّين من قطاع غزة لأنّهم يعانون الجوع بسبب الحصار الإسرائيلي، وقامت القوات المصرية باصطحابهم لشراء الأغذية ثم عادوا إلى داخل قطاع غزة». وأضاف: «قلت لهم (لقوّات الأمن) اتركوهم يدخلون ليأكلوا وليشتروا الأغذية». وقامت سلطات الأمن المصرية باعتقال مئات المتظاهرين في القاهرة احتجاجا على حصار غزة، وكان معظمهم من «الإخوان المسلمين».وكانت انتقادات اسرائيلية في الآونة الاخيرة لفشل مصر في كبح تهريب الاسلحة الي قطاع غزة عبر أنفاق تحت الارض في رفح أثارت ردا غاضبا من مصر احدي المساندين الرئيسيين لمحادثات السلام التي تحث الولايات المتحدة اسرائيل والفلسطينيين علي اجرائها. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت قال ان اٍسرائيل ليست لديها نية للتسبب في أزمة انسانية في قطاع غزة ولكنها ستحرم الفلسطينيين في القطاع من السلع الكمالية ما دام اطلاق الصواريخ مستمرا. كما أعربت الولايات المتّحدة عن قلقها بشأن التطوّرات عند معبر رفح. وقال مساعد المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة، توم كايسي: «نحن قلقون من الوضع، وبصراحة أعرف أنّ المصريّين قلقون أيضاً»، مشيراً إلى أنّ مساعد وزيرة الخارجيّة الأميركيّة دايفيد ولش تحدّث مع السلطات المصريّة في هذا الموضوع، إلا أنّه لم يذكر أيّ تفاصيل.وفيما أكّد رئيس «حكومة الطوارئ» الفلسطينيّة سلام فياض، في ختام مباحثات في برلين، ضرورة أن تعيد إسرائيل فتح جميع نقاط العبور إلى قطاع غزة، وأنّ ما حدث عند معبر رفح «يشهد على الصعوبات التي يواجهونها (الغزاويّون)»، شدّدت الحكومة الفلسطينية المقالة برئاسة إسماعيل هنية، وحركة «حماس»، على أنّ حال الاحتقان الشديدة والحصار المطبق على القطاع، أخرجت الأمور عن السيطرة، وأدت إلى فتح الحدود في محاولة لإيجاد متنفس للجماهير.وقال هنية، في كلمة تلفزيونيّة، إنّ ما يجري في القطاع، بما في ذلك تفجير الجدار الحدودي، «رسالة تفيد بأنّ الاحتقان بلغ مداه وأن الحصار لا يمكن أن يستمر، ومطلب الشعب الفلسطيني الوحيد ليس إدخال كميات قليلة من الوقود أو الغذاء في خطوة مجتزأة غير كافة وغير مقبولة، بل إنهاء الحصار كلياً وفتح المعابر، وخاصة معبر رفح». ووصف الزعيم الحمساوي مصر بأنّها «بوّابة العمق الاستراتيجي» للقطاع، مشيداً بمواقف مصر حكومةً وشعباً وأحزاباً وعلماء تجاه الشعب الفلسطيني، ومشيراً إلى أنّ ما يحدث على الحدود «تعبير جماهيري عن السخط من الحصار وليست رسالة احتجاج ضدّ مصر أو قيادتها».من ناحية أخرى، دعا رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل الى مواصلة «الغضب الشعبي والعربي» ضد إسرائيل حتى فك الحصار عن غزة، في كلمة ألقاها في افتتاح «المؤتمر الوطني الفلسطيني» في دمشق الذي تخلله انتقاد لاذع للسلطة الفلسطينية. وقال مشعل امام مئات المشاركين من الاراضي الفلسطينية والشتات ووفود عربية «ندعو الى استمرار الغضب الشعبي في وجه المحاصرين حتى فك الحصار» الذي تفرضه إسرائيل منذ 17 كانون الثاني (يناير) على قطاع غزة. واضاف «املنا ليس في مجلس الامن بل في امتنا العظيمة». ورأى ان اقتحام آلاف الفلسطينيين للحدود مع مصر في رفح كان «قرارا شعبيا وليس تنظيميا». وقال «لا تلوموا اهل غزة حين حطموا الجدار. الجدار تحطم بقرار شعبي ليس تنظيميا».
Leave a Reply