صدمت الجالية العربية بميشيغن بقضية لم يكن أحد يتصور حدوثها، خاصة وأنّ طرفاها هما رجل عربي مخضرم وناشط يدير مؤسسة حقوقية والطرف «المتضرر» هما إمرأتان عربيتان واحدة عضو في برلمان الولاية والأخرى ناشطة في الجالية. وأصل الموضوع هو إنكشاف أمر عمليات تحرش جنسي تعرضت إليها مجموعة من النساء ممّن عملن على مدى السنوات الماضية بـ«أي دي سي»، وقد فجرت الموضوع وأخرجته للعلن رسالة رفعتها النائبة في ولاية ميشيغن رشيدة طليب 36 سنة الى وارن دافيد رئيس اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز ومقرها الرئيسي في واشنطن العاصمة، ومن ثم إنضمت اليها الناشطة الحقوقية رنا عباس 33 سنة، يوم الجمعة الماضي بعد أن ظهرت الرسالة في صحيفة ديترويت فري برس وهي تحمل إتهامات ضد المدير الإقليمي للـ«أيْ دي سي» في ولاية ميشيغن عماد حمد 52 سنة، يتهمانه فيها بالتحرش الجنسي ضدهما وفي مرات عديدة وضد أخريات ممن عملن معه في فرع المنظمة. وقالت طليب وعباس إنهما إتصلتا بإدارة «أيْ دي سي» وبرئيسها في واشنطن، لكن الجميع فشلوا في معالجة الأمر وإيقاف التحرشات.
وقد وجهت المدعيتان نفس الرسالة الى المدعي العام في شرق ميشيغن بربرا ماكوايد والى «لجنة فرص العمل المتساوية الأميركية» الحكومية.
وذكرت طليب للإعلام أنها تعرضت للتحرش الجنسي في العام 1999 عندما عملت في مكتب «أيْ دي سي» في ديربورن لمدة خمسة شهور. كما صرحت عباس إنها تعرضت للتحرشات الجنسية أيضاً وبشكل يكاد يكون يومياً عندما عملت مساعدة لمديرها عماد حمد، قبل ان تغادر عملها في العام 2008.
طليب وعباس قالتا أنّ حمد كان لا يتوانى عن التحرش بهما بأسلوب فضّ مثل «التمسيد على الشعر، وفرك جسمه مع جسم المرأة، مع محاولة التقبيل والقيام بملاحظات وتعليقات بأساليب فيها ايحاءات جنسية بخصوص أجزاء من جسم المرأة، وأحيانا يقوم بالدفع بها تجاه الجدران والضغط عليها لكي تقبل أن تنام معه»
كما أشارت عباس الى أساليب حمد في التحرش بها واصفة «محاولاته تقبيلها من فمها كما دفع بها الى الجدار وحاول مسك وجهها» وأضافت «كان امراً مروعاً حيث كنت أذهب إلى البيت كل يوم وأبكي». طليب لا زالت تتذكر كذلك بعض ما حصل لها من تحرشات حمد «قيامه بإشارات الى صدري ومداعبة شَعري عندما كنت أتكلم في التلفون كما كان يدلي بتعليقات جنسية طوال اليوم». وحسب ما أوردته مصادر إعلامية فقد أجهشت طليب بالبكاء عندما كانت تتحدث عما تعرضت له هي وغيرها من تحرشات جنسية من حمد.
وحسبما جاء في شهادات طليب وعباس بخصوص تحرشات حمد لم يتوقف الأمر عندهما فقط، اذ تذكر طليب انّ في سنة 2007 اشتكت خمس نساء ممن عملن او تطوّعن في الـ«أيْ دي سي» وتعرضن للتحرش الجنسي ورفعن رسائل للمكتب الوطني لـ «أيْ دي سي»، الذي كانت ترأسه آنذاك ماري روز عوكر النائبة الديموقراطية السابقة عن ولاية أوهايو. وتذكر عباس قدوم عوكر من واشنطن واجتمعت مع حمد ثم بعثت بمذكرة لم يعرف فحواها، قالت مصادر بأنّ حمد إعترف بتسلمها. وقال مصدر لـ«صدى الوطن» إنّ عوكر وضعت حمد في فترة إختبار ومراقبة لمدة سنة، وطلبت منه حضور دروس حول التحرش الجنسي قال انه حضرها. لكن الإهتمام بتحرشات حمد الجنسية لاقت إهتماماً خاصة بعد «إشتكت من تحرشه مزيد من النساء».
عباس قالت إن حمد لا يوظف في الغالب إلاّ النساء وإنها عملت معه من 2000 الى 2008 ثم غادرت العمل هناك بسبب تحرش حمد المستمر بها، كما تذكر أنه ضيق عليها في سنة 2007 بسبب دورها في فتح ملف تحرشاته وتتذكر أنه لم يسمح لها بالمشاركة في سفرات العمل بعد ذلك».
لماذا تأخر كشف القضية اإلى الآن؟
هناك سؤال يتكرر منذ تناولت الصحافة هذه القضية وهو: لماذا تأخر تبليغ طليب وعباس عن تعرضهما وأخريات إلى التحرش الجنسي الى الآن؟ وجزء من الجواب ذكرته عباس وطليب وهو أن تشكيات في هذا الشأن رفعت الى الإدارة العامة لـ «اي دي سي» في واشطن، إلاّ ان الإدارة لم تهتم لذلك فواصل حمد تحرشاته حسبما جاء في تصريحات المدعيتين. كما وضحتا انهما لم تُبلغا من قبل لانهما كانتا في بداية حياتهما العملية وخافتا على سمعتهما من كلام الناس ومن ما يصدر من حمد الذي كان له موقع قوي وعلاقات داخل الجالية، حسب زعمهما .
تقول طليب إنها قررت رفع الرسالة يوم الجمعة بعد أن شاهدت صورة على صفحة عماد حمد على الفيسبوك مع مجموعة من البنات المتدربات والمتطوعات «أشعر بمسؤولية كبيرة لإثبات أننا نحمي هؤلاء الفتيات، حتى لا يتعرضن للتحرش الجنسي»
ماذا كان رد الـ«أيْ دي سي» وعماد حمد؟
رفض حمد السبت الحديث للصحافة بناء على نصيحة من محامييه دريد ألدر وشريف عقيل. ألدر قال «إن الجميع فوجيء بالموضوع» وأضاف «لقد فتحت الـ«أيْ دي سي» بحثا في الإتهامات وبعدها سنرى» أما المحامي عقيل فقال «من المهم أن لا أحد يندفع إلى إصدار حكم مسبق في الموضوع وإعطاء الوقت لعملية تحقيق عادلة بالمضي قدما» لكنه أكد على أهمية الدور الذي لعبه حمد لخدمة الجالية فقال: «لقد فعل الكثير من الخير لولاية ميشيغن وشجع التنوع، وساعد في تسهيل التواصل بين الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون لسلامة الأمن القومي»
وحمد معروف في منطقة مترو ديترويت المتنوعة وله علاقات مع مسؤولي الحكومة الأميركية وقيادات في الجالية، كما ترأس الى جانب إدارته لمكتب الـ«أيْ دي سي» ميشيغن، قيادة مجموعة «بريدجز» لأكثر من عشر سنوات، وهي المجموعة التي تعمل على تشجيع التعاون بين المسؤولين عن الأمن والقانون والجالية العربية الإسلامية، وغيرها من المنظمات.
ونتيجة غضب كثير من العرب الأميركيين تحركت «اي دي سي» وصرحت السبت«التحرش الجنسي لم ولن يتم التسامح معه».
وأكدت أنه «سيتم البت في الموضوع عبر محقق محترم ومستقل تماما من ذوي الخبرة في مثل هذه الأمور للتحقيق بدقة في سوء السلوك المزعوم»، واضافت «تتوقع اي دي سي وتطلب من السيد حمد أن يتعاون تعاونا كاملا في هذا التحقيق، وبعد الانتهاء من تحقيق مستقل سيتم اتخاذ قرار فيما يتعلق بمستقبل عمل السيد حمد في المنظمة».
ولم تمر هذه القضية مرور الكرام داخل الـ«اي دي سي» فقد إستقال الاثنين الماضي مايكل بشارة، المتحدث السابق لبلدية ديربورن والعضو في مجلس إدارة الـ«أيْ دي سي» ميشيغن وذكر أنه قدم إستقالته يوم الأحد في رسائل بعث بها بالبريد الإلكتروني إلى حمد والى وارن ديفيد. وفي المقابل قال المحامي إحسان الخطيب وهو عضو آخر في مجلس الإدارة، انه لن يستقيل موضحاً أن ما فعله حمد لطليب«ليس بالتحرش الجنسي» وأضاف «أنا لا اقول إنه قديس، لكنه يستحق تحقيقاً قانونياً»
مواقف الجالية العربية والأطراف الأخرى؟
أما على صعيد الجالية فقد تم التشاور بين بعض القيادات وإجتمع آخرون في مقر صحيفة «صدى الوطن» لمناقشة القضية وتداعياتها وكيفية التعامل معها، ورأى الحاضرون أنّ من الأفضل لحمد ان يتنحى جانباً بينما يفتح تحقيقاً بالموضوع. وقال السبلاني «نحن لا نستطيع إخفاء هذا الموضوع الحساس والمهم تحت السجادة». وأضاف «إن هذه إتهامات خطيرة للغاية، ونحن نطالب بإجراء تحقيق شامل»، كما نحى السبلاني باللوم على «اي دي سي» لأنها لم تأخذ الأمر على محمل الجد وتفتح تحقيقاً شفافاً وعميقاً عندما وجهت الإتهامات في العام 2007. وتساءل السبلاني «لماذا لم تفعل «اي دي سي» واشنطن أي شيء ، هذا هو السؤال»؟. وأكد السبلاني أن «حمد خدم الجالية لأكثر من عشرين سنة ودافع عن حقوقنا ووقف الى جانب الكثير منا في أوقات الشدة، فهو يستحق أن يحظى بتحقيق نزيه وعادل بالرغم من أنّ الإتهام جاء من شخصيات تتمتع بالمصداقية»
عماد حمد عبر لمصدر عن إستغرابه من الإتهامات المختلقة التي «تهدف الى تلويث سمعته وتحطيم مستقبله وطمس السنوات الطويلة التي قضاها في خدمة الجالية»
أروى عدن الزوجة السابقة لعماد حمد وأم أطفاله الثلاثة قالت «بأنها تفاجأت بالإتهام الذي جاء من إمرأة عملت معه لخمسة أشهر ثم اتهمته بعد خمس عشرة سنة من حدوث الفعل المزعوم» وأضافت «إن ما يحصل ضده غير مقبول» وأكدت «إن زوجها دافع عن حقوق الجالية لسنوات عديدة وإنه لا يستحق ما يحصل له الآن» ، وأكدت على أنّ طلاقهما ليس له أي علاقة بالإتهامات الأخيرة ضده وقالت بأنّ زواجهما فشل كما يحدث مع غيرنا من عائلات أميركية.
قد تدخل «اي دي سي» في مشاكل مالية بسبب الإتهامات الصادرة ضدها وخاصة على صعيد التمويل المحلي. وقد سبق للمنظمة فقدان العمارة التابعة لها على شارع شايس في ديربورن والتي لم يكتمل بناؤها بسبب صرف أموال البناء في أمور آخرى، فكان ذلك سبباً في تحول ملكيتها للبنك بسبب الرهن، وهو نفس الأمر الذي حصل مع مبنى المنظمة في واشنطن العاصمة والذي تبرع بثمنه كاملاً الأمير الوليد بن طلال، ليعود المسؤولون في المنظمة برهن العقار واستدانة أموال حتى خسروا المبنى.
وفي إطار التفاعل مع هذه القضية قالت باربرا ماكويد، المدعي العام الأميركي للمنطقة الشرقية من ميشيغن في تصريح نشر في الإعلام «نحن نعتبر هذه المزاعم ضد السيد حمد خطيرة جدا» وأضافت «التحقيق هو في أيدي الـ «اي دي سي» ونحن سوف نحتفظ بأي تعليق بشأن هذه المسألة حتى إكتمال التحقيق».
ويبدو أن هذه القضية مرشحة لمزيد من التفاعلات والتجاذبات وليس معلوماً ما تخفيه الأيام القادمة في هذا الشأن. فلننتظر.
Leave a Reply