خليل إسماعيل رمَّال
بالرغم من شطحات وفلتات لسان المرشَّح الجمهوري للرئاسة الأميركية، الملياردير دونالد ترامب، ورميه الكلام جزافاً وعلى عواهنه، الا أن بعض كلامه يستحق أنْ يتوقف عنده القاريء ويتمعَّن، مثل اتهامه للرئيس الأميركي باراك أوباما وخصمته المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون بأنهما أسسا تنظيم «داعش» الإرهابي.
ومع أنَّ هذا الاتهام سياسي طبعاً وحقيقة أنه أُطلق في موسم إنتخاباتٍ رئاسيةٍ محمومة فقد ينسبه البعض إلى المهاترات والألاعيب الدعائية. ولكن لو استقرأنا جيداً سياسة باراك أوباما منذ ظهور التكفيريين السفاحين على المسرح الدموي وتعامل ادارته المتراخي والبارد مع أخطر وحوش الاٍرهاب الذين سبَّبوا الأذى للشعب الأميركي والعالم، لتوفَّرَتْ لدينا أدلة ظرفية تدين هذه الإدارة ولو بطريقة غير مباشرة بقضية نمو «داعش» و«النصرة» وباقي المجرمين.
فاستعراضٌ بسيط لتاريخ المنطقة يظهر أنَّ حتى مسؤولي الإدارة الاميركية يقرُّون ويعرفون أنَّ منبع الاٍرهاب التكفيري هو الفكر الوهَّابي الذي صرف مليارات الدولارات ليدرِّس الأجيال، الحقد والضغينة مثل أنَّ المسيحي كافر ويجب قتله وكذلك باقي المذاهب من شيعة وعلويين وحتى سُنَّة، ويعلمون أنَّ آل سعود قطعوا في يوم واحد رؤوس ٧٠ ضحية من بينها الشيخ المسالم نمر النمر، أي أكثر من «داعش» نفسها، وحكموا على شاعر فلسطيني بالإعدام بسبب شعره وأنهم يستعينون علناً بتنظيم «القاعدة» في اليمن ضد الجيش واللجان الشعبية!
فنائب الرئيس الأميركي جو بايدن نبه إلى هذا الأمر وحتى أوباما نفسه تحدث عن الفكر الوهَّابي وخطورته وكادت الأوراق السرية تكشف تورط آل سعود مع السفَّاح بن لادن ودورهم في هجمات أيلول الارهابية لولا تدخُّل البيت الأبيض لمنع انهيار العلاقات مع العائلة المتسلطة. والحق يُقال أنَّ أوباما رئيس «خسع» وبلا كرامة حيث ترك رئيس وزراء إسرائيل يهينه في عقر داره ثم سمح لمليك عائلته أن يذلَّه بعدم استقباله له في المطار في آخر زيارة له للرياض.
لكن المصلحة القومية تبقى فوق المصالح الشخصية فالسعودية أهم حليف خانع لواشنطن، ووجود المجرمين التكفيريين يخدم مصالح أميركا لانهم يخدمون تل أبيب المستفيدة تماماً من نحرهم لسوريا والعراق بل الدين الإسلامي برمَّته. وليس من قبيل الصدفة ظهور دراسات وتحليلات في إسرائيل تحبذ «داعش» وتتمنى بقاءه بل تقدم له وللتنظيم المجرم الآخر «النصرة» كل أنواع المساعدات. وإلا كيف تتغاضى إدارة باراك أوباما عن التقارير التي بينت أنَّ السلاح الذي أرسلَتْه إلى سوريا لمحاربة النظام وقع بأيدي «النصرة» عدوتها اللدود التي هي جزء من «القاعدة» مهما غيَّرت إسمها الشيطاني وبدَّلت لونها وجلدها؟ فلا توجد في سوريا معارضة معتدلة تتكل عليها واشنطن لأن الأرض للجماعات الظلامية المتوحشة التي جاءت من كل أصقاع الدنيا وبلعت الكل. بل كيف يترك أوباما دولة كقطر تقف بكل امكانياتها إلى جانب «داعش» وتسَخِّر قناتها الإعلامية في خدمة التكفيريين؟ والأنكى أنه ترك الديكتاتور التركي يفتح حدوده على مصراعيها لتدفق قطعان الجراد الذي ادَّعت قوات التحالف قتل ٤٥ ألفاً منهم حتى الاَن ومازالت هناك أعداد مثلهم تحرق الحياة والاخضرار والحضارة كالجراد تماماً.
قائمة الاتهام تطول ولو كانت إدارة أوباما جادة فعلاً في محاربة إرهاب «القاعدة» وأخواتها في المنطقة لكانت تعاونت مع موسكو في إجتثاث جذوره وجففت منابعه ومنعت موارده النفطية، لا عرقلة العمليات العسكرية الروسية ومحور المقاومة الذي يدافع واقعياً عن أوروبا والغرب المبتلي بالإرهاب الذي موَّله وشجَّعه ضد سوريا. لقد حذَّر الرئيس الأسد الغرب من هذا الخطر فلم يسمع، لأن بقاء عصابات «داعش» ووحوش الاٍرهاب ضرورة أميركية ليبقى المجرمون فزاعة يبتز بها الغرب مشايخ النفط والغاز ولكي تُخلط الأوراق لخلق شرق أوسط جديد قوامه التحالف الإسرائيلي الخليجي الذي بدأت تباشيره فعلاً بتبادل الزيارات الأمنية والسياحية وغيرها.
ترامب قد لا يكون مؤهلاً لرئاسة أميركا بحسب البعض بسبب جهله ونزقه ولكن هل عُرِف رؤساء أميركا قط بالذكاء الحاد مثلاً؟ هل سمع المنتقدون لترامب برونالد ريغان الغبي الذي كان لا يعرف شيئاً عن الجغرافيا وينام معظم الوقت ويستشير النجوم مع زوجته؟!
ترامب ولو أنه مُتَّهم بالجنون يبقى أهون الشرين وحتماً أفضل من الليكودية كلينتون شريكة اوباما بالفوضى، وهو في النهاية رجل أعمال سيكتشف عاجلاً أم آجلاً مدى عبء إسرائيل الباهظ على أميركا، ثم أن المثل يقول خذوا الحكمة من أفواه المجانين.
Leave a Reply