طرابلس – لم تمنع تصريحات رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل، بأن ليبيا تتجه لتكون دولة إسلامية، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من التوجه الى العاصمة طرابلس للاحتفال بنصر فرنسي-بريطاني عسكري وسياسي يعوض للبلدين وللزعيمين الكثير من الهزائم والنكسات السابقة على جبهات متعددة، ويوفر لهما حصة رئيسية في مشاريع اعادة اعمار ما دمرته حربهما على ليبيا التي تقدر بمئات مليارات الدولارات.
فقد اكد ساركوزي وكاميرون، خلال زيارتهما الاحتفالية الخاطفة طرابلس الخميس الماضي، ان ليبيا ستبقى تحت وصاية فرنسا وبريطانيا اللتين تعتزمان التأسيس لعلاقة طويلة الامد مع السلطات الليبية الجديدة، وانكرا الاتهامات الموجهة إليهما لا سيما من جانب مصادر فرنسية وبريطانية موثوقة بالسعي وراء ثروات ليبيا، وشددا في الوقت نفسه على مواصلة الحملة العسكرية لحلف شمالي الأطلسي الذي أكد أن 15 بالمئة من قوات معمر القذافي ما زالت فاعلة، في حين أعلن المجلس الوطني الانتقالي دخول قواته مسقط رأس القذافي في سرت.
وفي مطار طرابلس، كان بانتظار ساركوزي وكاميرون رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل ورئيس وزرائه محمود جبريل. وقاما فور وصولهما بزيارة استمرت ساعة لمستشفى طرابلس حيث التقيا بعض الجرحى. وقال ساركوزي مرات عدة للصحافيين الذين كانوا يرافقونه “من المؤثر رؤية شباب عرب يلتفتون نحو دولتين غربيتين كبريين للتوجه بالشكر اليهما”، مضيفا ان “هذا يثبت ان الصراع بين الغرب والشرق ليس حتمياً”.
وعقد ساركوزي وكاميرون بعد ذلك مؤتمرا صحافيا مشتركا مع عبد الجليل وجبريل في فندق “كورنثيا” الراقي في منطقة باب البحر وسط طرابلس، في ظل حضور امني كثيف شمل المروحيات التي ظلت تحلق في اجواء المدينة حتى بعيد مغادرتهما الفندق بحوالي الساعة. وقال ساركوزي ان “التدخل في ليبيا لم ينته بعد وفرنسا ستبقى الى جانب الليبيين”، معتبرا ان “القذافي يعتبر خطرا، وهناك عمل يجب انجازه” في ليبيا. وتابع قائلا “التزام حلف الاطلسي لم ينته بعد”.
بدوره اعلن كاميرون ان المهمة العسكرية لحلف شمال الاطلسي “يجب ان تستمر حتى تأمين حماية المدنيين… وهناك اماكن لا تزال تحت سيطرة القذافي الذي يبقى طليقا”. وقال جبريل ان المسؤولين الفرنسي والبريطاني “طلبا ان تستمر عملية حماية المدنيين… اذ ان هناك ثلاث جبهات مشتعلة، ونحن بالفعل نحتاج اليهم لحماية المدنيين”. وشدد عبد الجليل من جهته على انه “لولا مساندة الحلفاء وعلى رأسهم فرنسا وبريطانيا لما تمكن الثوار الابطال من تحقيق ما حققوه”، مشيرا الى ان موقف باريس ولندن “لم تكن خلفه مصلحة سياسية”. وذكر ردا على سؤال انه “حتى الآن لم تعط اي عقود… وهذه العقود (الاقتصادية) ستمنح بحسب الدور الذي قدمته الدول”.
وقال ساركوزي ان المنفعة لم تكن دافعا ولم تكن لدى فرنسا “اي حسابات” بشأن ثروات ليبيا وراء المساعدة التي قدمتها. واوضح “ليس هناك اي منفعة او حسابات ولا اي اتفاق ونحن لا نطلب اي معاملة تفضيلية، لقد قمنا بذلك لانه الامر الصواب”، مشيرا الى ان كل ما قيل في بعض وسائل الاعلام “خاطئ”.
وشدد كاميرون على ضرورة مساعدة السلطات الجديدة عبر الافراج عن المزيد من الارصدة الليبية المجمدة في الخارج، علما بأنه اعلن قبيل الزيارة ان بلاده مستعدة للافراج عن 12 مليار جنيه استرليني اخرى لليبيا حال موافقة الامم المتحدة.
وفي بنغازي، لقي ساركوزي وكاميرون “استقبالاً حاراً” في “ساحة الحرية”، إلا أن الساحة كادت تحرج المنظمين قبل وقت قصير من وصول الضيفين، إذ ان عشرات الليبيين فقط كانوا يتمشون في أرجائها، فيما كان آخرون ينتظرون اجتياز الحواجز الكثيرة.
وقال أحد المنظمين عبر مكبر للصوت “سيصل الرئيس الفرنسي خلال 20 دقيقة، لكننا نواجه مشكلة إذ ان أعداد الناس هنا ليست كبيرة، وهو ما سينظر إليه الخارج بطريقة خاطئة”. وأضاف “ادعوا أصدقاءكم وأقرباءكم للمجيء إلى هنا” وانشغلت الهواتف لدقائق، امتلأت بعدها الساحة بالحشود الإضافية.
تطورات ميدانية
ميدانياً، قال حلف شمال الاطلسي ان نحو 15 في المئة من قوات الزعيم الليبي الفار معمر القذافي ما زالت عاملة. واوضح الجنرال فنسنت تيسنير من ايطاليا ان القوات المتبقية متركزة في منطقة تمتد من طرابلس حتى مدينة سبها الصحراوية جنوبا والى مدينة سرت الساحلية.
واعلن المجلس العسكري في مصراتة التابع للمجلس الانتقالي ان مقاتليه دخلوا مدينة سرت. وقال بيان للمجلس العسكري في مصراتة “وصل ثوار مصراتة الى جسر الغربيات داخل سرت”. وقال المجلس “ثوارنا دخلوا سرت اليوم من ثلاثة محاور رئيسية، والآن تتفرع (قواتنا) لاكثر من ذلك داخل مدينة سرت”. وتحدث البيان عن سقوط جرحى، بينما قال فتحي بشاقة المتحدث بلسان قوات المجلس ان “قوة كبيرة” دخلت المدينة.
دعم غربي للربيع العربي
تعهدت دول مجموعة الثمانية ومؤسسات مالية دولية بدعم اقتصاديات عدد من دول “الربيع العربي”، بنحو 80 مليار دولار، ضمن مبادرة شراكة تهدف إلى مساعدة هذه الدول على تجاوز تداعيات الثورات والاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ مطلع العام الجاري. وبموجب مبادرة الشراكة، التي يُطلق عليه اسم “دوفيل”، نسبةً إلى المدينة الفرنسية التي استضافت قمة قادة مجموعة الثمانية مؤخراً، فإن المؤسسات المالية الدولية ستقدم مساعدات بنحو 40 مليار دولار لمصر وتونس، على أن تقدم دول المجموعة مساعدات بالقيمة ذاتها، في إطار ثنائي مع الدول العربية التي تستفيد من هذا البرنامج. وعن تفاصيل المبادرة، أوضح المصدر أن مسألة الشراكة ستكون “بعيدة المدى”، تشمل مرحلتها الأولى استجابة دول المجموعة للطلبات قصيرة المدى للحكومتين المصرية والتونسية، من أجل “الوفاء بالاستحقاقات القريبة الخاصة بتنظيم الانتخابات، ومواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة الناجمة عن الثورات”. وبعد تلك المرحلة، بحسب المصدر، تأتي حكومات منتخبة في مصر وتونس، لطرح مطالبها في إطار “الشراكة طويلة المدى” مع دول المجموعة، بالتنسيق مع شركاء آخرين، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وبنك الاستثمار الإسلامي، من أجل تخطي المرحلة الانتقالية، وتعزيز الانتقال نحو اقتصاد السوق.
Leave a Reply