محمد العزير
في المبدأ يمكن لجملة واحدة أن تلخص فحوى هذه المقالة وتعبّر عنها بوضوح ودقة: شاركوا في الاقتراع المصيري يوم الثلاثاء في الثاني من آب (أغسطس).
هي بضع كلمات تفي بالغرض وتضع الأمر في نصابه الصحيح أمام الاستحقاق الانتخابي الأولي الذي سيمهد للانتخابات العامة في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، والتي يتوقف عليها الكثير. والكثير هذه المرة، حاسم وأكثر حساسية وأهمية من أية انتخابات سابقة شارك فيها العرب الأميركيون على الإطلاق.
تقتضي أهمية الموضوع، التوسع قليلاً في الحيثيات والتفاصيل لأن الانتخابات كتعبير عن إرادة الناس، والديمقراطية كنظام ضامن للحقوق والحريات تواجه اليوم أخطر اختبار منذ الاستقلال.
لا ينطوي هذا الكلام على تهويل أو مبالغة. فمن يتابع التحقيقات النيابية حول اقتحام مبنى الكونغرس، رمز الديمقراطية في أميركا، في السادس من كانون الثاني (يناير) 2021، لمنع الكونغرس من القيام بواجبه في التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومن يستمع إلى شهادات الكثير من كبار موظفي الإدارة السابقة ومساعديهم، يعرف دون التباس حجم الخطر الذي أحاط بالدستور والقوانين والأعراف على أعلى المستويات، وهو خطر لا يزال حاضراً وواضحاً حتى اليوم.
لم يكن ما حصل في واشنطن يومها أقل من محاولة انقلاب موصوفة دبّرها وقادها الرئيس السابق دونالد ترامب الذي رفض ولا يزال يرفض الاعتراف بهزيمته الانتخابية، ولم ولا يتورع عن إطلاق العنان الفاشي للقوى العنصرية البيضاء التي تعتبر «الفوهرر» أدولف هتلر بطلاً و«الدوتشي» بينيتو موسوليني نبراساً، وترى أن من هو غير أبيض من أصل أوروبي لا يستحق الحياة الكريمة. المصيبة، أن الحزب الجمهوري الذي أسسه الرئيس الأميركي السادس عشر أبراهام لينكولن وقاد الحرب الأهلية وانتصر فيها ليلغي العبودية، صار اليوم حزب ترامب، ولا تجرؤ قياداته وشخصياته على مخالفته، أو على إدانة محاولته الانقلابية، بل إنها تتذلل للرئيس المتهور وتردد خلفه وبطريقة ببغائية ما يدعيه عن تزوير انتخابي وما يدعو إليه من فاشية فاضحة وعنصرية مكشوفة.
هذا على المستوى الوطني العام، أما على الصعيد المحلي المتعلق بالعرب الأميركيين في كل من ميشيغن وأوهايو وأريزونا، حيث للصوت العربي الأميركي مفعول أكثر من الولايات الأخرى التي ستشهد انتخابات تمهيدية في أغسطس المقبل، من المهم جداً الانتباه إلى أمرين؛ الأول، المشاركة الكثيفة في التصويت، لأنه في الانتخابات التمهيدية عادة، وخصوصاً عندما لا يكون منصب الرئاسة مطروحاً على الاقتراع، تكون نسبة المشاركة في الانتخابات منخفضة إلى ما دون العشرين بالمئة من الناخبين المفترضين. هذه الحقيقة تعطي الصوت العربي الأميركي تأثيراً أكبر شرط أن تكون المشاركة العربية الأميركية أكثر كثافة. أما الأمر الثاني فهو الانتباه إلى من نصوّت، أي صوت يذهب إلى مرشح جمهوري لا يعلن اختلافه الصريح مع ترامب هو صوت للفاشية.
في ميشيغن على وجه الخصوص ينبغي الانتباه إلى ما يحصل بعد إعادة تشكيل الدوائر الانتخابية مؤخراً. الأمر الأول الذي يستدعي اليقظة هو أن ميشيغن، ومع أن حاكمتها الآن من الحزب الديمقراطي، ذات توجه جمهوري سيء، ليس فقط لأن الجمهوريين والمحافظين يسيطرون على السلطتين التشريعية والقضائية، بل لأن ميشيغن تحتضن أكبر عدد من المليشيات العنصرية المسلحة التي شاركت في محاولة انقلاب ترامب وهي مستعدة لتلبية أي نداء فاشي أو عنصري كما برهنت طوال تاريخها المريب.
المسألة هنا ليست وهمية بل هي حقيقية إلى أبعد حد. هل من يتذكر المؤامرة لخطف وقتل حاكمة الولاية غريتشن ويتمر والتي برأت هيئة المحلفين «العنصريين البيض» المشاركين فيها رغم ضبطهم بالجرم المشهود؟ وهل من يتذكر مشاركة عنصريي ميشيغن البيض في اقتحام مبنى الكونغرس؟ ومن سوء طالع العرب الأميركيين أيضاً أن «شحمة» الصهاينة لاءمت فطيرة العنصريين في ميشيغن فانبرت لجنة الشؤون الأميركية الإسرائيلية (آيباك) لاختراع واجهات سياسية محلية تدعي الحرص على مصالح السود والأقليات خصوصاً في مدينة ديترويت ومحيطها لتجيير تبرعات كبار الأثرياء الجمهوريين لتمويل الحملات الانتخابية لمن ينافسون المرشحين التقدميين الديمقراطيين.
من المهم الانتباه أيضاً إلى أن «آيباك» التي أيدت ترشيح أكثر من مئة عضو جمهوري في الكونغرس ممن لم يعترفوا بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تقدم نفسها كمدافعة عن السود والتحالف بينهم وبين اليهود، بينما هي في الواقع لا تعمل ضد العربية الأميركية رشيدة طليب لأنها من أصل فلسطيني، بل تعمل بجهد مماثل ضد النائب اليهودي آندي لفين، ابن النائب اليهودي ساندر لفين، لأن طليب ولفين من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، وهو الجناح الذي يؤيد حقوق الشعب الفلسطيني كقضية حق وعدالة ويناهض السياسة الإسرائيلية لأنها آخر ما تبقى من الإرث الاستعماري الأوروبي الأبيض. ومن المهم أيضاً الانتباه إلى أن وصولية بعض العرب الأميركيين وانتهازيتهم ونرجسيتهم تزين لهم موبقة الترشح كجمهوريين مستلبين أمام ترامب ويجرون خلفه. وليسمح لي من يجادل في ضرورة التعددية وحرية الاختيار، الإنتحار ليس حرية رأي، وإذا فاز الجمهوريون بانتخابات الكونغرس هذا العام ثم بانتخابات الرئاسة بعد عامين لن يكون أمام العرب الأميركيين والأميركيين عموماً أية انتخابات جديدة لتصحيح المسار.
مجدداً، على العرب الأميركيين وخصوصاً من يدّعون خصوصية تميزهم عن أبناء جلدتهم أن ينتبهوا إلى أن معظم السود الذين لا تمانع العنصرية البيضاء من إعادتهم إلى العبودية إن قدرت، هم من أتباع الكنيسة البروتستانتية، وأن معظم ذوي الأصول اللاتينية والذين كانوا سبّاقين إلى استعمار أجزاء واسعة من جنوب أميركا وغربها وساحلها الغربي هم من أتباع الكنيسة الكاثوليكية. لم تشفع الديانة لكلا الطرفين أمام العنصرية البيضاء التي حولت السود إلى عبيد وحولت اللاتينيين إلى مجرمين ومغتصبين وغزاة. لا أعتقد بصدق أن مصير أرثوذكسي أو ماروني أو كلداني سيكون أفضل!
ثمة أمر آخر ينبغي التنبه إليه وهو أن كل نجاح حققه العرب الأميركيون حمل هويتهم الصريحة والجامعة، الهوية العربية الأميركية من أول عضو في المجلس البلدي أو المجلس التربوي في ديربورن إلى آخر إنجاز انتخابي تحقق السنة الماضية. تمكنت هذه الهوية من شحذ الهمم وحشد المقدرات لمراكمة الإنجازات حبة فوق حبة، وحتى الذين رفعوا هذه الهوية دون قناعة تامة كمرشحين اكتشفوا عندما فازوا أنهم نتاج لها ومدينون لكل عربي أميركي أولاً، وأن بقاءهم في مناصبهم رهن بذلك. لذلك من الحيوي جداً ألا يسمح العرب الأميركيون لبعض الرؤوس الحامية أو المتسلقين أو قصيري النظر بإعادة فرز الجالية حسب الدولة الأم. بصريح العبارة مشكلة اليمني الأميركي ليست مع اللبناني ولا مع العراقي وكذلك الأمر بالنسبة للبناني والعراقي فالمجال الأرحب هو مجتمعنا الأوسع ومحاولات الانطواء والتقوقع لن تجدي نفعاً. فليكن صوتنا للأفضل والأكفأ.
لنجعل يوم الاقتراع يوماً مشهوداً. كثيرون من أبناء ديربورن وميشيغن في إجازة ومعظمهم في الوطن الأم. هذا يستدعي استنفار الهمم يوم الاقتراع لتغطية الفراغ الحاصل. حبذا لو أن كل عربي(ة) أميركي(ة) يحاول أن يذكّر قريباً(ة) أو صديقاً(ة) أو شقيقاً(ة) بالتوجه إلى مركز الاقتراع والتصويت حتى لا تكون هذه آخر انتخابات يمكن أن يصنعوا فيها الفارق.
Leave a Reply