ادعاءات بالفساد والابتزاز وتزوير الانتخابات
هامترامك
بعد إحالته إلى إجازة إدارية مؤقتة بإجماع أعضاء مجلس المدينة في 27 أيار (مايو) المنصرم، وفّى مدير بلدية هامترامك، ماكس غاربارينو، بوعيده حيث سارع يوم الاثنين المنصرم إلى مقاضاة مدينة هامترامك وكبار المسؤولين فيها أمام محكمة مقاطعة وين عبر دعوى ضمّت 256 تهمة بالفساد والرشوة وسوء الإدارة وتزوير الانتخابات وعرقلة التحقيقات والتمييز العنصري والانتقام من الموظفين المبلِّغين عن المخالفات، بالإضافة إلى خرق العقود وانتهاك قانون الاجتماعات المفتوحة، وغيرها من المزاعم.
أوراق الدعوى التي وصفتها صحيفة «ديترويت نيوز» بأنها أشبه بنصوص مسلسل المافيا «سوبرانوز»، جاءت بالاشتراك بين غاربارينو والضابط في شرطة هامترامك ديفيد آدمزشيك، الذي زعم بدوره تعرضه للتوقيف عن العمل كإجراء انتقامي بعد كشفه عن مخالفات جسيمة ارتكبها مسؤولون في المدينة، من بينهم قائد الشرطة جميل الطاهري، الذي أحاله غاربارينو إلى إجازة إدارية مدفوعة الأجر في 21 مايو الماضي. كما قام غاربارينو -نفسه- بإحالة آدمزشيك إلى إجازة إدارية أيضاً على خلفية اتهاماته للطاهري بممارسة الفساد واستغلال المنصب والعنف الأسري.
وبالإضافة إلي مقاضاة البلدية ككل، تشمل الدعوى كذلك، كلّاً من رئيس البلدية أمير غالب وقائد الشرطة الطاهري وجميع أعضاء المجلس البلدي الستة: أبو موسى وخليل رفاعي ومحمد حسن ومحيط محمود ومحمد السميري ومحتسن صدمان.
تفاصيل الدعوى
وبحسب الدعوى القضائية التي يتولاها مكتب المحامي المعروف جون ماركو، يزعم كل من غاربارينو وآدمزشيك انخراط قائد الشرطة بمخطط تآمري للحصول على عفو رئاسي عن رجل أعمال مدان مقابل مبلغ مالي يتراوح بين مليون وخمسة ملايين دولار يتم دفعها للرئيس دونالد ترامب عبر وسيط يدعى مارك زاركن، وذلك مقابل عمولة للطاهري تعادل 10 بالمئة.
وتضيف الدعوى بأن الطاهري طلب من موظف مدني إصدار بطاقة تعريف شرطية مزورة لمارك زاركن، تحمل صفة «مدير عام» مقابل مبالغ مالية، رغم أنه لا يشغل أي منصب رسمي لدى دائرة شرطة هامترامك، وذلك لتسهيل الجهود الرامية للوصول إلى الرئيس ترامب.
كما تفيد الدعوى المؤلفة من 72 صفحة بأن شخصاً يُعرف باسم «رالف»، وهو من معارف الطاهري في نيويورك، كان قد أبلغ عن سرقة سيارة مرسيدس تم نقلها بشكل غير قانوني إلى مدينة ديربورن بعد صفقة بيع خاصة في نيويورك. وقام رالف مع شخص آخر يُدعى إبراهيم الجهيم بالتخطيط لنقل السيارة إلى منزل الطاهري في ليفونيا بعدما طلب قائد الشرطة من آدمزشيك المساعدة في توصيلها دون طرح أسئلة، لكن الأخير قام لاحقاً بإبلاغ محقق في شرطة نيويورك بأن المركبة في حوزة الطاهري الذي بدأ على أثر ذلك بتلفيق التهم ضد غاربارينو، وفقاً للدعوى.
وتوضح الدعوى أيضاً بأن الطاهري حاول رشوة مالك شركة سحب سيارات، عبر آدمزشيك نفسه، وطلب منه التوسط للحصول على رعاية مالية تتراوح بين 40 و50 ألف دولار لبودكاست ومشاريع أخرى، مقترحاً إدراج اسمه كمستشار مبيعات في الشركة الخاصة بآدمزشيك ليحصل على نسبة مالية، وقال له: «يجب أن نجد وسيلة لكسب المال». وفي آذار (مارس) الماضي، طلب الطاهري من آدمزشيك أن يؤمن له لقاء مع صاحب الشركة بمفرده، لكن الأخير رفض لأنه شعر بعدم الارتياح.
وفي حادثة أخرى، كشف الطاهري لغاربارينو بأن الضابط جاستن رانكن كان يزوّر سجلات الحضور والدوام، ما دفعه إلى اتخاذ قرار بفصله، لكن بعد أيام، اصطحب قائد الشرطة مجموعة من الضباط بينهم رانكن إلى نادٍ للتعري، وقاد السيارة مخموراً في طريق العودة إلى المنزل. وبحسب غاربارينو، فإن رانكن ابتز الطاهري لاحقاً بعد تصويره وهو يقود تحت تأثير المسكرات متجاوزاً إشارات المرور بسيارة الشرطة مع تشغيل الأضواء.
بالإضافة لذلك، قاد الطاهري -في حادثة منفصلة- سيارة شرطة واصطدم بالرصيف، مما أدى إلى تعطّل أحد الإطارات، وبدلاً من الاتصال بالإدارة، فقد قام باستدعاء ضابطين لاستبدال الإطار، وأفاد كلا الضابطين بأن الطاهري كان في حالة سكر واضحة.
وتشير الدعوى أيضاً إلى أن الطاهري سعى للتأثير في الانتخابات المحلية عبر الضغط على أعضاء في المجلس لطرد غاربارينو من منصبه، رداً على إبلاغه عن مخالفات تتعلق بتزوير الانتخابات، ويزعم آدمزشيك بأن الطاهري كان يمتلك معلومات حساسة عن أحد أقارب أعضاء المجلس المتورطين في عمليات اقتحام منازل وتزوير صكوك ملكية، وإنه طلب من قريب زوجته المقيم في ديربورن إثارة الفوضى في اجتماعات المجلس والهجوم علناً على غاربارينو.
بعد تقديم هذه التفاصيل، وجّه غاربارينو آدمزشيك لإبلاغ مكتب التحقيقات الفدرالي أو شرطة ولاية ميشيغن، ثم استخدم صلاحياته لإيقاف الطاهري عن العمل، مشيراً إلى أنه كان يخطط لفتح تحقيق داخلي بعد تلقي شكاوى من موظفين بشأن «سلوك غير مستقر» وتهديدات وجهها الطاهري للضباط، بحسب الدعوى.
ولحماية آدمزشيك من الانتقام، وضعه غاربارينو هو الآخر في إجازة إدارية، واستعان بشركة خارجية للتحقيق في المسألة، بحسب الدعوى.
لكن بعد ذلك، اتخذت الأمور منحى آخر، حين قرر مجلس هامترامك بإجماع أعضائه في 27 مايو الماضي إحالة غاربارينو إلى إجازة إدارية مؤقتة، بالإضافة إلى مصادرة حاسوبه وهاتفه المحمول، وكذلك منعه من الوصول إلى خوادم وبيانات المدينة، ريثما يتم استكمال التحقيقات.
وفي اجتماع المجلس البلدي، الذي شهد مداخلات عمومية طالبت بإعادة الطاهري إلى عمله، قال غاربارينو: «لقد ألمح البعض إلى أن الخلفية العرقية لقائد الشرطة يجب أن تؤثر على قراراتي الإدارية، لكني أرفض التغاضي عن المخالفات فقط لأن شخصاً ما ينتمي لمجموعة عرقية معينة، وأعتقد أن رفضي لهذا المبدأ جعلني عرضة للتمييز بسبب خلفيتي العرقية»، مع الإشارة إلى أن المسلمين يسيطرون على مختلف المناصب البلدية في المدينة التي تضم زهاء 27 ألف نسمة.
تزوير انتخابي
في إطار آخر، زعمت دعوى غابراينو-آدمزشيك أن كليرك المدينة، رنا فرج، لاحظت تكرار المخالفات في بطاقات الاقتراع المرسلة عبر البريد، من بينها تشابه الخطوط على الأظرفة ووجود كميات كبيرة منها تُسلم دفعة واحدة. وعند إبلاغها لغاربارينو بالأمر، أحالها إلى قائد شرطة هامترامك السابقة آن مويس، التي فتحت تحقيقاً بالواقعة. وفي أوائل عام 2024، قبل مكتب المدعي العام في ميشيغن النظر في القضية، وعيّن محققاً لمتابعتها، لكنه لم يوجّه أي اتهام خلال ستة أشهر.
وأثناء تلك الفترة، قال غاربارينو إنه تعرض لمضايقات متكررة من أعضاء المجلس البلدي لإجباره على فصل فرج من منصبها. وفي آذار (مارس) الماضي، أرسل خطاباً إلى مكتب المدعية العامة في ميشيغن، دانا نسل، واصفاً فيه حجم التزوير في المدينة بأنه «كارثي»، وقال إن كاميرات المراقبة وثقت أدلة واضحة على أنشطة مشبوهة، بما في ذلك عمليات إسقاط جماعية لبطاقات الاقتراع الغيابية في الصناديق.
وبسبب تلك الرسالة، قال غاربارينو إن عضو مجلس مدينة هامترامك، محمد حسن، اقتحم مكتبه وحاول الضغط عليه لإقالة فرج التي صرّحت في وقت سابق من شهر نيسان (أبريل) المنصرم بأن بعض أعضاء المجلس كانوا يوجهون لها تهديدات ضمنية خلال الاجتماعات، مثل قولهم: «نحن نراقبكم».
كما تزعم الدعوى أن بعض أعضاء المجلس لا يقيمون في المدينة، وأن هذه الشائعات كانت متداولة على نطاق واسع منذ سنوات.
تعيين قسري
وأشارت الدعوى القضائية أيضاً، إلى أن مجلس المدينة كان من المفترض أن يضطلع بدور إشرافي في تعيينات رؤساء الأقسام التي يجريها مدير المدينة ماكس غاربارينو، بما في ذلك تعيين قائد الشرطة، غير أن غاربارينو قال إنه تعرّض لضغوط من أعضاء المجلس لإسناد المنصب إلى جميل الطاهري، بعدما رفضوا المصادقة على أي مرشح آخر، وهو ما وصفه بأنه قرار قائم على دوافع «تمييزية».
وبمرور الوقت، توطدت العلاقة بين الطاهري والضابط ديفيد آدامزشيك، حيث أصبح الأخير تابعاً مباشراً له، وأوضح غاربارينو أنه نبّه الطاهري مراراً وتكراراً إلى ضرورة الحفاظ على حدود مهنية واضحة في علاقته بآدمزشيك التي بدأت تأخذ منحى مختلفاً في مطلع العام الجاري.
ومع تدهور العلاقة بين الرجلين، اتهم الطاهري آدمزشيك بالتمرد وعدم الانضباط، وهي اتهامات قال غاربارينو إنها تفتقر إلى الأساس، مشيراً إلى أن سجله المهني كان خالياً من مثل هذه السلوكيات، بل أن الطاهري نفسه كرّمه بجائزة «ضابط العام» في 19 مارس المنصرم، مما يعكس تناقضاً في مواقف قائد الشرطة الذي كان يلجأ أحياناً إلى اختلاق وقائع ومعلومات غير صحيحة، بحسب غاربارينو.
ردود فعل
في الأثناء، أوضح رئيس بلدية هامترامك، أمير غالب، بأن تحقيقاً شاملاً يجري في الوقت الحالي لتفحص التهم المتبادلة بين غاربارينو وآدمزشيك من جهة، وبين الطاهري من جهة أخرى، وقال في بيان إن المسؤولين الثلاثة أحيلوا إلى إجازات إدارية مؤقتة، وإن من تثبت براءته سيُعاد إلى عمله.
وأكد رئيس البلدية اليمني الأصل على أن «لا أحد فوق المساءلة»، مقلّلاً من شأن الدعوى آنفة الذكر بقوله إن المدينة تتلقى باستمرار دعاوى قضائية، كثير منها «غير جدي». وقال: «علمتُ من مدير بلديتنا أننا نتعرض دائماً للمقاضاة، غالباً لأسباب بلا معنى، لذا فإن هذه الدعوى (من غاربارينو نفسه) لا تعني شيئاً في هذه المرحلة، لأننا مضطرون لانتظار نتائج التحقيقات، وبناءً عليها، سنعرف مدى مصداقية كل شخص، وما هي فرصه في الفوز في مثل هذه الدعاوى».
من جانبه، أصدر الطاهري بياناً وصف فيه الاتهامات الموجهة له بأنها «كاذبة ومفبركة»، وقال: «لقد كانت رسالتي منذ اليوم الأول واضحة للغاية، إذ دعوتُ مكتب الشريف في مقاطعة وين، وكذلك شرطة ولاية ميشيغن، و«أف بي آي» إلى متابعة هذه الاتهامات الباطلة، والتحقق ممن يقف وراء هذه القصص الملفّقة».
Leave a Reply