يصل “الغريب” في نهاية الحلقة الأولى من أي مسلسل بدوي الى مضارب القبيلة. وفي الحلقة الثانية تتوقع القبيلة هجوماً من قبيلة مجاورة، ولا بأس أن تجمع القبيلتين قرابة العمومة أو الخؤولة. وعلى الفور يقوم “الشيخ” طال عمره، باستشارة رجال وفرسان عشيرته وسؤالهم عن أفضل الخطط لصد العدوان، فتتنوع الخطط وتتعدد، ساذجة أو متهورة. وهنا يتقدم “الغريب” فيدلي برأيه العبقري والحصيف، بأن تقوم القبيلة بنصب فخ للقبيلة المعتدية جانب النبع، والانتظار تحت تنتصف الظهيرة بقيظها المهلك الذي سيدفع أفراد القبيلة المعتدية إلى التوجه إلى النبع بسبب العطش الشديد ثم الإجهاز عليهم في تلك اللحظة. ويحوز الرأي على إعجاب الشيخ وفرسان عشيرته وابنته المزيونة، وكأن البدو لا يعرفون قيمة الينابيع، هم الذين تقوم حياتهم كلها على “مناطق الكلأ والماء”. وبعد حلقات قليلة يتزعم “الغريب” القبيلة.. والبقية معروفة.
في الحياة، كما في الدراما.. نحب “الغريب” ونثق به!
– ثمة مشهد عظيم في كل مسلسل تاريخي، يرفع من معنوياتنا، خاصة عندما يستطيع جيش عربي صغير متسلحا بالحق والثقة والإيمان من الانتصار على جحافل الأعداء وجيوشهم الجرارة.. إلى درجة أسر القائد الخصم، وجره ذليلا إلى خيمة القائد العربي المتواضعة، فيطلب القائد العربي من جنوده أن يحسنوا معاملة القائد الأسير الذي يتعجب بلغة عربية فصحى من أخلاق العرب وفروسيتهم ودماثتهم..
في الحياة.. ثمة جيش صغير معاد، يهزم جيوشاً عربية جرارة، ويقهر مئات الملايين من العرب ويذلهم وهم يتابعون مسلسل جرائمه على شاشة التلفزيون في مسلسل طويل لا ينتهي، عدو يهزمنا ويأسرنا ولا يحسن معاملة أسراه.. الذين هم نحن!
– في مشهد عائلي مألوف، يجلس الأب في الصالون مرتدياً الروب المنزلي وربطة العنق، ويقرأ في الجريدة (تصوروا). وعندما تعود البنت من “النادي” أو من “الجامعة” تفاتحتها الأم بموضوع خطبتها وتطلب منها التخلي عن خطيبها الفقير والقبول بابن خالتها الثري والفهلوي. يحاول الأب التدخل فتنهره الأم بقسوة، فيعود إلى قراءة الجريدة وهو بكامل أناقته، بالروب المنزلي وربطة العنق..
في الحياة، تستاء الأم من خطيب ابنتها الفقير، ويتدخل الأب، وهو يقرأ الجريدة، أما قصة “الروب المنزلي” مع ربطة العنق، فلا أعرف من الذي اخترعها!..
– في مشهد متكرر، تطلب الزوجة الطلاق، فيطلقها الزوج ويغادر المنزل، فتبدأ الزوجة بالبكاء، فيسألها ابنها الصغير عن أبيه، فتكفكف الأم دموعها، وتحضن ابنها وتقول له: “باباك مسافر.. يا حبيبي”. طبعاً بسبب حرصها على مشاعر الطفل ونفسيته، فيقتنع الولد أن “باباه مسافر” وينمو طوال عشرين حلقة سليما، ومعافى، وبدون عقد..
في الحياة، تحدث جميع المشاحنات أمام الأبناء الذين يعرفون كل المشاكل بين الأب والأم، ويعرفون ما هو أكثر من ذلك بكثير! بكثير..
في مشهد آخر.. عاطفي أيضاً، تغير الحبيبة رأيها، وتهجر حبيبها الأول “ابن الحتة” وتفضل عليه شاباً ثرياً من عائلة مرموقة، فيضع الحبيب المجروح خطة للانتقام من الحبيبة وتلقينها درساً قاسياً. ويسافر الحبيب إلى الخارج، ويعود بعد عدة حلقات منتفخاً بالمال والجاه والسيكار الفاخر، وفي مشهد تخفق له القلوب وتنهمر فيه الدموع، تعتذر الحبيبة وتعترف بأنها حبها مايزال كما كان، وتطلب الغفران..
في الحياة.. تتكرر هذه القصص، ولكن الطريقة المثلى للإثراء، ليست في الهجرة، بل في البقاء في الوطن، والتنعم بإمكانياته واستثمار “الأجواء” والأعراف الفهلوية، في الوظائف والأعمال والصفقات وغيرها
Leave a Reply