تحتفل «صدى الوطن» بالذكرى السنوية الـ39 على تأسيسها في 7 أيلول (سبتمبر) عام 1984، وسط أجواء من الحداد على رحيل الصحافي المخضرم طلال سلمان، صاحب وناشر صحيفة «السفير» التي اتخذت من شعار «صوت من لا صوت لهم» ميثاقاً إعلامياً أسفر عن تغيير ملامح الصحافة اللبنانية بـانحيازها طيلة عقود لصالح المستضعفين والمهمشين قبل توقفها عن الصدور في عام 2016 لأسباب تمويلية قاهرة.
لكن ما يعزّينا في «صدى الوطن» هو استمرارنا في مواصلة «مهنة المتاعب» رغم جميع التحديات والعوائق المالية والتبدلات الكبيرة التي طرأت على «صاحبة الجلالة» خلال السنوات الأخيرة، مع تمسكنا الأكيد بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا بأن نكون «جريدة العرب الأميركيين في أميركا الشمالية» طوال العقود الأربعة الماضية، رغم الصعوبات التقنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لقد مرّت 39 سنة على شوط الانطلاق، وكانت الرحلة رائعة حقاً، بالقياس إلى ما حققناه خطوة بخطوة مع المجتمع العربي الأميركي بمنطقة ديترويت من تقدم وازدهار طال كافة الميادين، بعد عقود من الإقصاء والتهميش والإهمال لقضايانا ومصالحنا وتطلعاتنا ورغباتنا في المشاركة السياسية والانخراط في الشأن العام، أسوة بالمجتمعات الإثنية الأخرى في الولايات المتحدة.
نقلتنا النوعية في الإعلام الأميركي، تحققت بمجرد صدورنا كمطبوعة تنشر قصص العرب الأميركيين التي يسردونها بأنفسهم، من خلال فريق محترف ضم عبر السنين المتعاقبة أجيالاً من الإعلاميين العرب والأميركيين من كافة الإثنيات. وقد وضعت تلك البداية حداً لهؤلاء الذين اعتادوا على الحديث بالنيابة عنا، من دون استشارتنا، ومن دون أن يكونوا أمناء للحقيقة والأحداث والوقائع. لقد أصبح لدينا صوتنا الخاص الذي يروي قصصنا المحلية والوطنية والدولية بلساننا، بكل شجاعة وصدق، وبدون مراوغة أو تردد.
في مثل هذه الأيام قبل 39 عاماً فتحت الصحيفة أبواب مقرها المتواضع على شارع ميشيغن أفنيو حينما كانت الجالية العربية صغيرة ومهمشة، وكبرنا معاً كتوأمين. حتى أصبحت «صدى الوطن» اليوم من أهم أركان ومعالم النهضة العربية الأميركية في ولاية ميشيغن التي تحتضن حالياً واحدة من ألمع الجاليات العربية في عموم البلاد، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، حيث نجح الكثير من أبنائها في تقلد مناصب عامة مرموقة على مستوى المدن ذات الكثافة العربية، إضافة إلى شغلهم مناصب رفيعة في حكومة مقاطعة وين وحكومة الولاية.
خلال السنوات الأخيرة، بات العرب الأميركيون حجر الزاوية في مدن ديربورن وديربورن هايتس وهامترامك التي يرأسها لأول مرة في التاريخ المحلي رؤساء بلديات من أصول عربية، حيث أنهى رئيس بلدية هامترامك أمير غالب –الذي يتحدر من أصول يمنية– مئة عام من القيادة البولندية للمدينة التي تحيط بها ديترويت من جميع الجهات، كما أنهى رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود –الذي يتحدر من أصول لبنانية– تاريخاً من الازدراء والإقصاء شبه المقصود للعرب والمسلمين في المدينة، إضافة إلى رئيس بلدية ديربورن هايتس بيل بزي، اللبناني الأصل أيضاً، الذي عكس انتخابه لأرفع منصب تنفيذي في المدينة، حضور العرب ودورهم المتنامي في ديربورن هايتس التي تم اعتبارها لسنوات طويلة مجرد «مدينة للنوم» لتصبح اليوم شاهداً على الازدهار العمراني والتجاري لجاليتنا.
إلى جانب ذلك، تتمتع مجالس مدن ديربورن وديربورن هايتس وهامترامك بحضور متزايد للعرب والمسلمين الأميركيين، ما يعكس الثقل الانتخابي للصوت العربي في تلك المدن، حيث يترأس حالياً عربيان أميركيان، المجلسين البلديين في كل من ديربورن وديربورن هايتس، بينما يترأس غالب مجلس هامترامك بمقتضى ميثاق المدينة.
وعلى مستوى حكومة مقاطعة وين، يشغل العربي الأميركي أسعد طرفة منذ العام الماضي منصب نائب محافظ المقاطعة الأكبر في ولاية ميشيغن، التي تضم 43 مدينة وبلدة، ويعيش فيها زهاء 1.75 مليون نسمة وفقاً لبيانات التعداد السكاني لعام 2020.
وأما نائب المدعي العام لولاية ميشيغن فدوى حمود، فقد دخلت التاريخ أوائل العام 2019، كأول مسلمة وأول عربية تعيّن في ثاني أرفع منصب في مكتب الادعاء العام بولاية أميركية، حيث تم تعيينها في منصب محامي الاستئناف العام، الذي تتضمن مهامه تمثيل الولاية قانونياً أمام المحكمة الأميركية العليا.
وعلى المستوى التشريعي المحلي، نجح الصوت العربي في إيصال النائب، اللبناني الأصل، العباس فرحات إلى مجلس نواب ميشيغن لتمثيل الدائرة الثالثة في مدينة ديربورن، إضافة إلى إعادة انتخاب النائبة ذات الأصول الفلسطينية عن ولاية ميشيغن في الكونغرس الأميركي رشيدة طليب، فضلاً عما سبق من إنجازات انتخابية لا تقل أهمية سطرها المرشحون العرب الأميركيون خلال السنوات الماضية.
فقائمة المسؤولين المنتخبين والمعينين تطول وتمتد في ميادين القضاء والصحة والاقتصاد والحوكمة والعمل الخيري، في حين أن أعداد المهنيين المبرزين من أطباء ومهندسين ومحامين ومحاسبين أكبر من أن تعدّ أو تحصى، ناهيك عن توسع الأعمال التجارية وازدهارها في جميع أنحاء مقاطعة وين.
لقد كانت رحلتنا منذ 39 عاماً رائعة ومضنية في الوقت نفسه، وكان فخرنا واعتزازنا بالإنجازات التي نراكمها يوماً بعد يوم أكبر معين على تحمل العراقيل وتخطي الصعوبات التي تعتري مهنة الصحافة، والتي كان في طليعتها تسونامي وسائط التواصل الاجتماعي التي تفتقد إلى «الفلاتر» التي تحجب الأصوات الهدامة وغير المسؤولة، والتي لا تتورع في كثير من الأحيان عن نشر الشائعات وبث الفتن والتفرقة بدون وازع من ضمير أو مسؤولية أخلاقية.
كذلك لعبت تحديات التمويل، ولاتزال، دوراً مثبطاً، ولكن ذلك لم يثننا عن الوفاء بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا بتمثيل العرب الأميركيين في أميركا الشمالية، وما كان ذلك ممكناً لولا دعم بعض المعلنين الأوفياء ونخبة من الصحفيين الذين يحرصون على تقديم أقصى ما لديهم لضمان إصدار العدد الأسبوعي في الوقت المحدد، ودونما تأخير.
39 عاماً.. ونحن باقون على العهد، والأفضل لم يأتِ بعد!
«صدى الوطن»
Leave a Reply