لولا صمود المقاومة في لبنان وتجلياتها في سوريا والعراق واليمن والبحرين والحجاز، لأطلقنا على هذا الوقت الزمن الإسرائيلي بالرغم من خسارة وانكفاء وهزيمة العدو المُنكَرَة أمام قدرات المقاومة في لبنان عامي 2000 و2006، باعترافه هو وجحود فؤاد السنيورة، وارتداعه عن شن حروبٍ جديدة وفقدانه لورقة الحرب والسلام التي كان يملكها قبل عصر الإنتصارات.
فإسرائيل اليوم في أحلى حالاتها وهي ليست بحاجة لحروب جديدة لكي تحقق أطماعها الإجرامية التوسعية، بل بالعكس تكاد ترسم حدودها وتبني جدراناً عنصرية لحماية كيانها بمحاذاة لبنان وداخل فلسطين المحتلَّة أيضاً. وما يجعل بنيامين نتنياهو يبتهج ويحتفل ويبتسم في هذه الأيام الجاهلية العربية، عدة عوامل سياسية مزلزِلة بوقائعها والنتائج التي قد تنجم عنها ما لم يتدارك محور المقاومة الأمر ويستعيد زمام المبادرة:
1 – أيام مَلك بني سعود السابق فهد وخلال إدارة الرئيس الأميركي الأسبق الزهايمري رونالد ريغان، زينة شباب الجمهوريين الذي مازالوا يعشقونه إلى اليوم ظنَّاً منهم أنَّه هو الذي تسبَّب بانهيار الإتحاد السوڤياتي بعد إعلانه مبادرة حرب النجوم ضد موسكو مع أنه، كممثل فاشل، كان يقصد بذلك الفيلم الخرافي العلمي الذي يحمل نفس الإسم لا الحملة الفضائية العسكرية!
المهم، خلال إدارة ريغان اشترى فهد طائرات الإنذار المبكر «أواكس» المتطورة فعارضتها إسرائيل وأبطأت الصفقة لعدة سنوات وكادت أنْ تعطِّلها بالرغم من حرب العراق وإيران ودعم بني سعود وأذنابهم وحلفائهم الغربيين لصدام حسين آنذاك قبل أنْ ينقلبوا عليه. أمَّا اليوم فقد عقد دونالد ترامب مع السعوديين صفقة العصر، أسلحة بـ110 مليارات فلم يصدر عن نتنياهو سؤال واحد وهذا بحد ذاته يحمل دلالات ذات مغزى عن عمق التحالف الوهابي الصهيوني، بل أنَّ نتنياهو أعرب عن أمله في أنْ يسلك نفس الخط الجوي المباشر لترامب لكي يزور الرياض علناً، وربما يكون قد فعلها بالسر للتباحث مع الحكام الرجعيين في سبل مجابهة «العدو» الإيراني الذي كان حليفاً لكليهما زمن الشاه. ويبدو أن اسرائيل ليست فقط موافِقة على الصفقة بل أيضاً على التضحية بقطر كجائزة ترضية لبني سعود. والمشكلة أنه رغم خطورة هذا الحلف الجديد، إلا أنه يستحيل التعاطف مع الدوحة فلا شكر لقطر المتآمرة على سوريا وقتلها الشهداء، من دون محاسبة قمة الرأس حتى أخمص «جزيرتها»، والله فعلاً يبلي الظالمين ببعضهم! (بالمناسبة أين فيصل القاسم الآن وماذا سيفعل؟)
2 – تراجعت قضية فلسطين عند عرب الردة إلى الخلف تماماً بل أصبحت فولكلوراً تتقدم عليها رقصة العراضة السعودية. فقد لعبت مشيخة قطر بالصف الفلسطيني واستقطبت «حماس» و«الإخوان» وكل جماعات التكفير والإرهاب، في حين فرضت السعودية استبدال العدو الإسرائيلي بالإيراني وكل ذلك إزاء قلة حيلة وضعف الدول الوطنية المنشغلة بحروبها وأزماتها الداخلية. وعلى هذا الأساس تمكن بنو سعود من تحويل ترامب إلى مخلِّص رغم انهم يعلمون بأنه رجل يُعنى فقط بالـ«بزنيس» ولا يُؤْمِن إلا بالمال ولا يهمه إذا تهدّٓمت أركان الكعبة وتدمرت المدينة.
3 – حتَّى في بلد يُعتبر تقدمياً مثل لبنان، بحكم وجود الأحزاب فيه لا بسبب نظامه المسخ، وقعت فيه فضيحة مجلجلة وهي أن القضية الفلسطينية سُحبت ومن دون أنْ ينتبه أحد «مثل الشعرة من العجينة» من المناهج التربوية منذ عام 2000، ومن كتاب تاريخ لبنان بالذات المليء بالتزوير والمغالطات، لأنها تطرح «إشكالية في المجتمع اللبناني» حسب تعبير مركز البحوث والإنماء (فقط في لبنان توجد هذه التعابير الفضفاضة التي لا تعني شيئاً). فتاريخ الصهيونبة في فلسطين، لا الطاغية المجرم بشير الشهابي مثلاً الذي يؤلهه النظام التربوي العفن، هو موضع خلاف بين اللبنانيين الذين لا يزالون يدرسون من كتاب تاريخ غير موحد!
4 – التطبيع مع إسرائيل قائم على قدم وساق وليس على مستوى الأنظمة فحسب، خصوصاً الخليجية التي فتحت ممثليات وقنصليات للعدو بل على صعيد الشعوب. أفيخاي أدرعي هو أكبر مثال على ذلك حيث أصبح غوبلز الدعاية الصهيونية الموجهة للعرب لدرجة أن البعض بقصد أو بلا قصد وقع ويقع في حبائل هذا الماكر.
أدرعي هذا، جرياً على عادته من كل عام، أرسل تهانيه وتهاني جيشه الجزار إلى الشعب العربي والإسلامي بمناسبة شهر رمضان المبارك، فماذا فعل بعض العرب؟ منهم من نشر الفيديو على الواتساب وباقي السوشال ميديا، لانه أراد أنْ يسلط الضوء على الدعاية الصهيونية مقابل تخلف العرب عن مسايرة الركب، وآخرون «انجلقوا» به وبإتقان أدرعي وجنوده القتلة للغة العربية. لكن هؤلاء يجب أنْ يعرفوا أننا عندما ننشر رسالة دعائية للعدو التاريخي السرطاني نكون قد ساهمنا بلا قصد وبطريقة غير مباشرة في الترويج لهذا المغتصب وجيشه السفّاح الذي يقتل ويدنس الأرض والعرض والمقدسات كل يوم في فلسطين، وخصوصاً أن هناك ضعاف نفوس وبالأخص في لبنان حيث العمالة وجهة نظر فيدعون أن العدو لطيف وحنون لدرجة أنه يشاركنا فرحة رمضان ويقترح لنا الأطعمة أيضاً.
هناك أدمغة وراء هذا الفيديو المنمق ولم يأتِ من بنات أفكار هذا الأدرعي بل نتيجة تخطيط ودراسة معمقة وقرار من أعلى سلطة داخل الاحتلال. كذلك أجزم أنه موجه لشعب المقاومة في لبنان بالتحديد لكي يوحي بطريقة غير مباشرة أيضاً أن الصهاينة دعاة سلام ولا يبغون الحرب ويحاولون التقرب بطريقة سلسة حتى يتراخى المقاومون ولا تبقى أيديهم جاهزة على الزناد فيغدروا بهم وكذلك لكي يحدثوا نوعاً من حالة انهزامية هي موجودة بالخفاء والعلن في لبنان (جماعة أحمد الأسعد والطابور الخامس وبقايا ١٤ آذار) والتي منطقها يتلخص «إننا يا جماعة ليش نحن ببوز المدفع ضد اسرائيل وشو رح نستفيد من الحرب وتدمير بلدنا وشوفوا الإسرائيلي شو منيح وبدنا نعيش متل غيرنا وكفانا المولى» الخ… وطبعاً هذا منطق خطير لا يفهم خطورة وغدر وعدوان وأطماع الإسرائيلي.
5 – أيضاً في شبه الوطن نزل إلى سوق العرض السينمائي فيلم «المرأة الخارقة» (Wonder Woman) من بطولة مجندة إسرائيلية خدمت وصلّت للجيش الاسرائيلي، وبعد صرخة وحملة مقاطعة الفيلم استغرب بعض «الفهِّيمين» هذه الحملة لأنهم مع الفن بالمطلق. لكن غاب عن فهم هؤلاء أن إسرائيل دولة عنصرية ولا يجب التهاون في مقاطعتها ولو بالكلمة والثقافة والموقف كما قوطعت دولة جنوب أفريقيا من كل دول العالم، ما عدا إسرائيل بالمناسبة.
في النهاية، مهما تآمر العرب وساد الموسم الإسرائيلي لبرهة فلن يعيد زمن الهزائم ولن يبدِّد وعد الإنتصار نتيجة معطيات كثيرة أولها قدرات المقاومة والتقاء قوى المقاومة على الحدود السورية العراقية الأردنية مما يُفشِل مخطط تقسيم سوريا، رغم محاولة استخدام واشنطن للورقة الكردية الانفصالية، وبوادر الهزيمة النهائية للمخطط التكفيري الشيطاني في المنطقة.
Leave a Reply