نتنياهو يصعّد حربه على غزة رغم تزايد الضغوط الخارجية والداخلية .. وطهران تتمسّك ببرنامجها النووي في جولة مفاوضات جديدة مع واشنطن
التقرير العربي الأسبوعي
على وقع العدوان الإسرائيلي المستمر في غزة، وصور التجويع والإبادة الآتية من القطاع المنكوب، تعالت خلال الأسبوع الماضي الأصوات الدولية المطالبة بكبح جماح الكيان الصهيوني بقيادة بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتشددة، حيث لوّح الأوروبيون بإجراءات عقابية تتراوح بين مقاطعة اقتصادية وفرض عقوبات وسحب استثمارات من دولة الاحتلال، فيما يُتوقع أن تدخل مفاوضات الملف النووي الإيراني، منعطفاً جديدة بعد جولة المحادثات الخامسة في سلطنة عمان، وسط تسريبات إسرائيلية عن هجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية.
وبين مشروع ترامب للسلام والازدهار من جهة، والمشروع الصهيوني لتفتيت المنطقة على أساس عرقي وطائفي وإقامة إسرائيل الكبرى على أنقاضها، يصر نتنياهو على المضي قدماً بحرب الإبادة في غزة متجاهلاً نداءات الدول الغربية حتى لفك الحصار عن الفلسطينيين المحاصرين في القطاع.
وفي حين تراهن إسرائيل على ألا يتجاوز «الاستياء الأوروبي»، حدّ الإدانات فيتحول إلى إجراءات عقابية حقيقية، لم يتأخر نتنياهو عن إطلاق عملية «عربات غدعون» فور عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جولته الخليجية مؤكداً عزمه على القضاء الكلي على المقاومة واحتلال أجزاء واسعة من القطاع.
نتنياهو الذي لم يلتفت إلى شعور ترامب بـ«الإحباط» من صور الأطفال الجوعى في غزة، لم يتوان عن مهاجمة زعماء باريس ولندن وأوتاوا متهماً إياهم بتشجيع حركة «حماس» على القتال إلى ما لا نهاية، بعد أن ندّدت العواصم الثلاث بـ«أفعال مشينة» لحكومته في قطاع غزة.
ونقل موقع «أكسيوس» الإخباري عن مسؤولين في البيت الأبيض أن ترامب يشعر بالإحباط من الحرب الدائرة في غزة. وعبر عن انزعاجه من صور معاناة الأطفال الفلسطينيين، وطلب من مساعديه إبلاغ نتنياهو رغبته في إنهاء الأمر. ونقل الموقع عن مصدر مسؤول: «الرئيس (ترامب) محبط مما يحدث في غزة. يريد إنهاء الحرب، ويريد عودة الرهائن إلى ديارهم، ويريد دخول المساعدات، ويريد البدء في إعادة إعمار غزة». في المقابل، صرّح مسؤول إسرائيلي للموقع أن نتنياهو لا يشعر حالياً بضغط كبير من ترامب.
وبينما يمتنع ترامب عن ممارسة ضغوط معلنة على تل أبيب، حاول قادة آخرون ممارسة الضغط المباشر، إذ أصدر قادة المملكة المتحدة وفرنسا وكندا بياناً مشتركاً هددوا فيه باتخاذ خطوات ضد إسرائيل بسبب غزة.
وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسا الوزراء البريطاني كير ستارمر والكندي مارك كارني من أنهم لن يقفوا «مكتوفي الأيدي» إزاء «الأفعال المشينة لحكومة نتنياهو، ملوّحين بـ«إجراءات ملموسة» إذا لم تبادر إلى وقف عمليتها العسكرية وإتاحة دخول المساعدات الإنسانية.
وأورد البيان المشترك «نحن مصمّمون على الاعتراف بدولة فلسطينية في إطار حل الدولتين ونحن مستعدون للعمل مع آخرين لتحقيق هذه الغاية»، في إشارة إلى المؤتمر المقرّر عقده في حزيران (يونيو) القادم في الأمم المتحدة «لإيجاد توافق دولي حول هذا الهدف».
وردّ نتنياهو بأنهم «يمنحونهم الأمل في إقامة دولة فلسطينية ثانية تسعى حماس عبرها مرة أخرى إلى تدمير الدولة اليهودية».
وتأكيداً على جديتها، استدعت الحكومة البريطانية السفيرة الإسرائيلية لديها على خلفية إعلان جيش الاحتلال توسيع العملية العسكرية في غزة، فيما أعلنت الخارجية البريطانية «تعليق المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية بشأن اتفاق التجارة الحرة معها»، «لبعث رسالة بضرورة إدخال المساعدات لغزة».
كما أعلنت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، الثلاثاء الماضي، أن الاتحاد سيطلق مراجعة لاتفاق الشراكة مع إسرائيل، في ختام اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد في بروكسل. وقالت: «لدينا غالبية قوية مؤيدة لمراجعة البند الثاني حول احترام حقوق الإنسان من اتفاق الشراكة مع إسرائيل. إذاً سنباشر هذا الأمر».
وفي ذات السياق، أعلنت الخارجية السويدية أن بلادها ستتحرك داخل الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين معينين بسبب معاملة إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين في غزة.
وفي حين تزداد الضغوط على إسرائيل، نددت مفوضة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي وألمانيا وإيطاليا بإطلاق إسرائيل النار على الوفد الدبلوماسي الأوروبي، الأربعاء الماضي، خلال زيارته جنين في الضفة الغربية.
أميركياً، اتخذ نائب الرئيس جاي دي فانس قرار عدم زيارة إسرائيل لأنه لا يريد أن تُفسَّر زيارته، سواء في الدولة العبرية أو في دول المنطقة، على أنها دعم من إدارة ترامب لتوسيع العملية العسكرية للجيش الإسرائيلي في غزة، في وقت تضغط فيه واشنطن للتوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في القطاع.
ونقل موقع «واللا» العبري عن المصدر قوله إن فانس كان يفكر في زيارة إسرائيل، يوم الثلاثاء الماضي، لكنه تراجع عن الفكرة بسبب حجم الدمار الذي تسببت فيه عملية «عربات غدعون».
استمرار العدوان
يواجه نتنياهو انتقادات متزايدة داخل إسرائيل وخارجها لاستمرار الحرب المدمرة التي يشنها على غزة منذ 20 شهراً دون القدرة على الحسم بمواجهة المقاومة التي مازالت تنصب الكمائن القاتلة لقوات الاحتلال. ويرى المراقبون أن إنهاء الحرب بتبادل الأسرى عبر اتفاق مع «حماس» يعني تلقائياً سقوط حكومة نتنياهو واليمين الحاكم الذي يسعى إلى استغلال نتائج الحرب في مسعى تحقيق «إسرائيل الكبرى»، عبر ضمّ أجزاء من غزة والضفة الغربية، ناهيك عن أراض واسعة في جنوب سوريا.
وترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 187 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن تهجير معظم سكان القطاع.
ومن أقصى الشمال إلى أعماق الجنوب، تستمر المجازر اليومية في قطاع غزة، بالتزامن مع انهيار الخدمات الحيوية وانعدام الماء والدواء والغذاء، فيما سمح الاحتلال بإدخال عدد محدود من شاحنات المساعدات في مشهد دعائي يهدف إلى تضليل الرأي العام الدولي بعد أكثر من 80 يوماً من الحصار الشامل والإغلاق التام للمعابر، في حين حذرت الأمم المتحدة من أن آلاف الأطفال معرضون لخطر المجاعة إذا لم تزداد المساعدات بشكل كبير.
وفي ظل هذا المشهد الدموي، أعربت «الأونروا» عن قلقها العميق، مؤكّدة أن سكان غزة «يموتون»، بينما المساعدات الغذائية والطبية «ستتلف» وهي مكدّسة على المعابر.
ومع تواصل القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على مناطق متفرقة في القطاع، برز حديث زعيم حزب «الديمقراطيين»، الإسرائيلي الجنرال يائير غولان، الذي أكّد أن الجيش «يخوض حرباً ضد المدنيين»، ويقتل الأطفال كـ«هواية»، وأن التهجير هو الهدف الأساسي من الحرب، الأمر الذي أثار ردود فعل داخلية ودولية واسعة.
ورغم ذلك، قال رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير: «سنوسّع العملية البرية ونسيطر على مناطق وندمّر البنية التحتية للإرهاب»، مضيفاً أنّ «لدى «حماس» خياراً واحداً فقط هو الإفراج عن الرهائن». وتابع: «إذا تمّ التوصل إلى اتفاق فإن الجيش يعرف كيفية تعديل أنشطته وفقاً لذلك».
وكان نتنياهو قد قرر سحب وفد التفاوض من الدوحة حيث مكث لمدة أسبوع دون تسجيل أي تقدم يذكر.
وفي ردّ فعلها، قالت عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة إن «إعادة فريق المفاوضات من الدوحة يؤكد أنه ليس لدى الحكومة خطة حقيقية لوقف الحرب، كما يعني خسارة الأسرى والغرق بوحل غزة ودفْع الجنودِ ثمناً كبيراً».
وأضافت عائلات الأسرى الإسرائيليين في بيان أن غالبية الشعب تؤيد عودة جميع الأسرى حتى لو كان ذلك على حساب وقف القتال في غزة، بينما يصر نتيناهو على مواصلة الحرب حتى أكتوبر القادم، بحسب تعبيره.
وكشف استطلاع للقناة 13 الإسرائيلية أن 67 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون صفقة تنهي الحرب وتعيد جميع الأسرى، بينما يرفض 22 بالمئة فقط من الإسرائيليين صفقة تنهي الحرب.
وفي سياق تصاعد الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو، شهدت تل أبيب يوم الخميس الماضي مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في أعقاب تعيين نتنياهو دافيد زيني رئيساً جديداً لـ«الشاباك»، خلفاً لرونين بار
من جانبها، اتهمت حركة «حماس»، نتنياهو بتضليل الرأي العام العالمي عبر ما وصفته بالتظاهر الكاذب بمشاركة وفد إسرائيلي في مفاوضات الدوحة لا يملك صلاحية التوصل إلى اتفاق، ومن دون الدخول في أي مفاوضات جادة أو حقيقية. وأكدت الحركة أن تصعيد العدوان والقصف المتعمد للبنية التحتية المدنية، وارتكاب المجازر الوحشية يفضح نيات نتنياهو الرافضة لأي تسوية ويكشف تمسّكه بخيار الحرب والدمار. كما حذرت «حماس» من «مخطط إقامة معسكرات اعتقال جنوب القطاع تحت غطاء المساعدات وهو مخطط لن يكتب له النجاح».
قمة هزيلة في بغداد
بغياب معظم الزعماء العرب، استضافت العاصمة العراقية، السبت الماضي، أعمال القمة العربية الرابعة والثلاثين والتي ركزت على عدد من القضايا العربية البارزة خاصة في فلسطين وسوريا ولبنان.
ففيما يتعلق بالأوضاع في الأراضي الفلسطينية، أكد البيان الختامي للقمة على رفض كافة أشكال التهجير والنزوح للشعب الفلسطيني تحت أي مسمى أو ظروف.
كما شدد البيان على «مركزية القضية الفلسطينية»، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية وحق العودة وتعويض اللاجئين. ودان البيان «الممارسات غير الشرعية من قبل العدوان الإسرائيلي بصفته القوة القائمة بالاحتلال»، ودعا إلى «وقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة»، وضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته الأخلاقية والقانونية، والضغط لوقف إراقة الدماء وإدخال المساعدات إلى غزة.
كما أعلن عن دعم الخطة العربية الإسلامية التي اعتمدتها جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن التعافي وإعادة إعمار غزة، وكذلك دعم حصول فلسطين على عضوية كاملة بالأمم المتحدة.
ورحب بيان القمة برفع العقوبات الأميركية على سوريا، وتخفيف العقوبات الأوروبية، داعيا إلى حوار وطني شامل في البلاد يضم مكونات الشعب السوري كافة.
وردت حكومة صنعاء التي تواصل تهديد الأراضي المحتلة بما فيها مطار بن غوريون وميناء حيفا، على مخرجات القمة العربية في بغداد، «الهزيلة وغير الملبية لتطلعات الشارع العربي في نصرة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة من جرائم الإبادة الإسرائيلية».
وأكد قائد «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، على صلابة الموقف اليمني في دعم غزة، مؤكداً أنّ «العدو فاشل في التأثير على الموقف اليمني وفي ردعه».
وفي كلمته الأسبوعية بشأن مستجدات العدوان على قطاع غزة والتطورات الإقليمية والدولية، كشف الحوثي أنّ اليمن «نفذ هذا الأسبوع عمليات بـ8 صواريخ فرط صوتية وباليستية وطائرات مسيرة»، موضحاً أنّ «3 صواريخ كانت في اتجاه مطار اللد» (بن غوريون). وأضاف أنّ «العدو يصعّد في جرائمه وفي إبادته الجماعية بشكل بشع للغاية، فيما يبقى السقف الرسمي لمعظم الأنظمة إصدار بيانات من دون تحرك عملي»، في وقتٍ «نرى أنّ سفناً تابعة لدولة إسلامية وأخرى عربية هي أكثر السفن التي تزود العدو الإسرائيلي من خلال البحر الأبيض المتوسط بالمواد الغذائية والبضائع».
سوريا الجديدة
مع ارتفاع منسوب التفاؤل حيال التوجه الأميركي–الأوروبي لرفع العقوبات عن دمشق، توالت خلال الأسبوع الماضي المؤشرات على انفتاح الحكومة السورية الجديدة على إسرائيل، حيث أكدت «القناة 12» العبريّة أن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع سلّم دولة الاحتلال أرشيف الجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلي كوهين كبادرة لتخفيف التوتر بين البلدين.
وفي سياق الانفتاح الغربي على دمشق، قالت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس إن «الاتحاد اتخذ قراراً برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، في خطوة تهدف إلى دعم التعافي بعد سنوات من الحرب والصراع»، في حين سارع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى الترحيب بالقرار.
وفي معرض مطالبته برفع العقوبات عن دمشق، حذّر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو من أن الحكومة السورية الجديدة تواجه تحديات هائلة، مشيراً إلى أنها «على بُعد أسابيع من الانهيار المُحتمل وحرب أهلية شاملة» في حال لم تقدم المساعدة العاجلة للنظام الجديد بقيادة الشرع الذي يبدي انفتاحاً على الاتفاق مع إسرائيل.
وقال روبيو أمام جلسة استماع في مجلس الشيوخ إن «تقييمنا هو أن السلطة الانتقالية وبصراحة، في ضوء التحديات التي تواجهها، قد تكون على بعد أسابيع –وليس عدة أشهر– من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد مدمّرة، تؤدي فعليّاً إلى تقسيم البلاد».
وأعلن روبيو أن إدارة ترامب ستبدأ بالسماح للدبلوماسيين الأميركيين المقيمين في تركيا بالعمل مع المسؤولين المحلّيين في دمشق لتحديد نوع المساعدة التي يحتاجونها، مشدداً على أن الإدارة الأميركية تريد «مساعدة تلك الحكومة على النّجاح، لأن البديل هو حرب أهلية شاملة».
في المقابل، أثار السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، جدلاً واسعاً بعد أن كشف في محاضرة أُلقيت ونشرت عبر قناة مجلس بالتيمور للشؤون الخارجية على «يوتيوب»، عن لقاء جمعه بأحمد الشرع، في إطار عملية غير معلنة لتحويله من «عالم الإرهاب إلى عالم السياسة» بواسطة «منظمة خيرية بريطانية».
وأوضح فورد أن مؤسسة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل الصراعات دعته عام 2023 للمساعدة في عملية إعادة تأهيل الشرع، مثيراً ردود فعل متباينة، حاولت الرئاسة السورية احتواءها عبر إصدار بيان توضيحي أشارت فيه إلى أن اللقاءات التي أشار إليها فورد كانت جزءاً من سلسلة اجتماعات مع مئات الوفود الزائرة، خُصصت لعرض وشرح تجربة إدلب.
وأفاد فورد بأنه التقى الشرع ثلاث مرات، مرتين خلال عام 2023، وثالثة بعد توليه السلطة في دمشق إثر سقوط النظام السابق في كانون الأول الماضي.
وفي مؤشر واضح على انقلاب الوضع في سوريا لصالح إسرائيل، أعلن مكتب نتنياهو استرجاع نحو 2,500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية كانت ضمن «الأرشيف السوري الرسمي» الخاص بعميل الموساد إيلي كوهين، الذي أدى مهمات استخبارية في سوريا حتى انكشاف أمره وإعدامه في الستينيات.
وحاول مكتب نتنياهو إضفاء الغموض على العملية قائلاً إنها «نُفذت عبر جهاز الموساد بالتعاون مع جهة استخباراتية شريكة»، مضيفاً أن الأرشيف يحوي «آلاف المواد التي احتفظت بها الاستخبارات السورية لعقود تحت حراسة مشددة».
وفي مكسب سياسي داخلي جديد لنتنياهو، كانت إسرائيل قد أعلنت عن «عملية خاصة» أخرى في «العمق السوري»، لاستعادة رفات جندي قتل خلال اجتياح لبنان 1982، وهو الجندي تسفيكا فيلدمان، الذي قُتل في «معركة السلطان يعقوب» قبل 42 عاماً.
وأكد بيان مشترك لجيش الاحتلال الإسرائيلي والموساد أن الجثمان تم العثور عليه «في العمق السوري»، في عملية وُصفت بـ«الخاصة والمعقدة»، بينما زعمت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن النظام السوري الجديد لم يشارك في العملية.
غير أن المراقبين استبعدوا عدم دراية دمشق بالعملية، لاسيما أنها جاءت عقب ورود تقارير توقيف الأمين العام للجبهة الشعبية–القيادة العامة، طلال ناجي، في دمشق والتحقيق معه بشأن مواقع مقابر سرية لثلاثة جنود إسرائيليين فقدوا في معركة عين السلطان.
وتزامنت التطورات الأخيرة مع تقارير متداولة عن وساطة إماراتية لتقريب وجهات النظر بين دمشق وتل أبيب على المستوى الأمني، إذ ذكرت وكالة «رويترز» أن محادثات غير علنية تجري بين الطرفين وتتناول «قضايا استخباراتية حساسة».
وهو ما أكده الرئيس السوري أثناء زيارته إلى فرنسا، حيث قال إن بلاده منخرطة في مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي عبر وسطاء إقليميين، بهدف تهدئة التوترات ومنع تدهور الأوضاع.
وفي تعليقه على الضربات الإسرائيلية لبلاده، وصف الشرع تحركات الكيان في المنطقة بـ«العشوائية»، مطالباً تل أبيب بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية السورية. وجاءت تصريحات الشرع خلال لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، في أول زيارة رسمية له إلى أوروبا منذ تسلمه مهام منصبه.
لبنان تحت النار
دعت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ قرار بشأن «نزع سلاح» حزب الله معتبرة أن لبنان لا يزال أمامه «الكثير» ليفعله بهذا الشأن.
واعتبرت أورتاغوس بتصريح أثناء منتدى قطر الإقتصادي في الدوحة، الثلاثاء الماضي، أن «لبنان لا يزال أمامه الكثير ليفعله من أجل نزع سلاح حزب الله»، مشيرة إلى أن المسؤولين في لبنان «أنجزوا في الأشهر الستة الماضية أكثر مما فعلوا على الأرجح طيلة السنوات الخمس عشرة الماضية». وشدّدت على أن الولايات المتحدة دعت إلى «نزع السلاح الكامل لحزب الله»، وأن «هذا لا يعني جنوب الليطاني فقط، بل في أنحاء البلاد كافة»، داعية القيادة اللبنانية إلى «اتخاذ قرار» في هذا الشأن. في المقابل، يرفض «حزب الله» الحديث عن سلاحه شمال الليطاني.
يُشار إلى أن المبعوثة الأميركية حضرت إلى لبنان عدة مرات منذ تولّي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئاسة، في سياق الضغوط على لبنان استكمالاً لمرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية، وما تلاها من اعتداءات مستمرة منذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني الماضي.
وطالبت خلال اجتماعاتها السابقة بالمسؤولين في بيروت، بنزع سلاح المقاومة في ظل أجواء مشحونة بالتهديدات والتهويل والتلويح بخطوات عدوانية. .
وبعد غارات متفرقة خلال الأسابيع الماضية، شنّت إسرائيل غارات مكثفة الخميس المنصرم طالت مناطق واسعة في البقاع والجنوب حيث يستعد الأهالي للمشاركة في الانتخابات البلدية والاختيارية، رغم تهديد إسرائيل بعدم السماح بالتجمعات في المنطقة الحدودية. لكنّ ردات الفعل الشعبية، ولا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، عكَست تحفُّزاً لمشاركة أوسع في الاقتراع، تَحدّياً للعدوان المستمر.
مفاوضات إيران
على وقع التسريبات بشأن هجوم إسرائيلي وشيك على المواقع النووية الإيرانية، تستعد كلّ من طهران وواشنطن لعقد جولة محادثات خامسة في العاصمة الإيطالية، روما (مع صدور هذا العدد)، وسط تمسك المسؤولين الإيرانيين بخطوط بلادهم الحمر على جدول أعمال المحادثات، التي ترعاها سلطنة عُمان.
وأعلن مجلس الشورى الإيراني أنّه «لا يمكن تحديد مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران بأقلّ من 20 بالمئة»، وأنّ «نسبة التخصيب ستعتمد على احتياجات الشعب الإيراني السلمية». كما أكّد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أنّه «إذا كان هدف الطرف الأميركي من التفاوض وقف التخصيب في إيران، فلن يكون هناك اتفاق».
وعشيّة الجولة الخامسة من المحادثات، أضاف عراقجي في تصريح للتلفزيون الإيراني، أنّ «المفاوضات الآن تحولت إلى ساحة لمعركة الإرادات، وسنواصل التفاوض للدفاع عن حقوق شعبنا». وأكد أنّ بلاده لن تتنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم داخل إيران، مشدداً على أنها لا تقبل حتى تخصيباً رمزياً بنسب منخفضة؛ لأنها تريد التخصيب لتوسيع الصناعة النووية، وقد أعدّت البنى التحتية الضرورية لذلك.
وأبدى وزير الخارجية الإيراني، استعداد بلاده لاتخاذ إجراءات لطمأنة الجميع بشأن سلمية البرنامج النووي الإيراني، من ضمنها القبول بقيود تقنية مؤقتة وليست دائمة، مشيراً إلى أنّه «مقابل ذلك نتوقع رفع العقوبات».
وأنهى عراقجي كل النقاش والمطالبات حول «تفكيك البرنامج النووي»، بالقول: إنّ “تفكيك البرنامج النووي الإيراني غير ممكن؛ لأن برنامجنا النووي ليس مستورداً حتى يمكن تفكيكه، بل هو قائم على صناعة محلية تم بناؤها بالاعتماد على علمائنا النوويين».
ورأى وزير الخارجية الإيراني، أنّ «إسرائيل ترفض هذه المفاوضات، ومنذ أشهر بذلت كل جهدها لجر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران»، مشيراً إلى أنّ «التهديدات الإسرائيلية بضرب المنشآت النووية الإيرانية في حال فشل المفاوضات مضحكة»، في تعليقه على تسريبات نشرتها شبكة «سي أن أن» عن مسؤولين في الإدارة الأميركية.
وحذّر الوزير الإيراني قائلاً: «إذا أقدمت إسرائيل على أي عدوان ضدنا فإننا نعدّ الولايات المتحدة شريكة فيه، سواء انخرطت بشكل مباشر أم لا».
Leave a Reply