ديربورن
وسط حضور حاشد ضم مسؤولين محليين وفعاليات أهلية، أقام «نادي بنت جبيل الثقافي الاجتماعي» بمدينة ديربورن، الأربعاء الماضي، حفل تكريم للقاضية في محكمة الاستئناف بولاية ميشيغن، مريم سعد بزي، التي تتحدر من مدينة بنت جبيل في جنوب لبنان، والتي دخلت التاريخ في أيار (مايو) الفائت، كأول عربية وأول مسلمة تتولى منصب قاضٍ في ثاني أعلى محكمة بالولاية ميشيغن، بعد محكمة ميشيغن العليا.
وتخلّل الحفل كلمات مؤثرة عبّرت عن فخر واعتزاز الجالية العربية الأميركية في منطقة ديترويت الكبرى، بنزاهة ومناقبية القاضية اللبنانية الأصل ومسيرتها المهنية والمجتمعية المميزة، سواء من خلال عملها الطويل في سلك القضاء والتزامها بالدفاع عن العدالة والحقوق المدنية وتمثيل التنوع الثقافي في ولاية البحيرات العظمى، أو عبر انخراطها الفعال في فعاليات المجتمع المحلي ومؤسساته المتعددة، وفي مقدمتها «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) التي تولّت قيادتها زهاء أربع سنوات.
إنجاز مُستحَقّ
اعتبر القاضي في محكمة ديربورن هايتس ديفيد طرفة (المحكمة 20) أن تعيين القاضية بزي في محكمة الاستئناف بميشيغن يشكّل شهادة واضحة على كفاءتها القانونية وتميّزها المهني، مشيراً إلى أن هذا الإنجاز لا يعكس فقط مسيرتها الحافلة بالعطاء، بل يحمل أيضاً دلالة رمزية على تمسّكها بقيمها الدينية وانتمائها إلى مجتمعها المحلي.
وقال طرفة إن تعيين بزي في محكمة الاستئناف بميشيغن «يمثّل مصدر فخر للجاليات العربية والإسلامية في الولاية»، مثنياً على الدور التربوي والاجتماعي الذي اضطلع به والدها رجل الأعمال المعروف عارف سعد، ووالدتها الحاجة عايدة، اللذين هاجرا من لبنان في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ليؤسّسا أسرة مكوّنة من ستة أبناء أصبحوا مثالاً يُحتذى في الاحترام والنجاح والاندماج الإيجابي في المجتمع الأميركي.
من جانبه، أوضح نائب محافظ مقاطعة وين أسعد طرفة بأن تعيين بزي دليل إضافي على ازدهار المجتمع العربي الأميركي بولاية ميشيغن وتنامي دوره الفعال على كافة الأصعدة خلال العقود الأخيرة، لافتاً إلى أنه قبل ثلاثين عاماً لم يكن لدينا سوى شخص واحد منتخب من العرب الأميركيين، وهي العضوة السابقة في مجلس مدينة ديربورن، سوزان سرعيني، ولكن اليوم، وفي هذه الصالة تحديداً لدينا الكثيرون منهم».
وختم طرفة كلمته بعبارة أثارت حماس وتصفيق الحضور، حيث قال: «لدينا في ولاية ميشيغن 46 ألف محامٍ، بينهم فقط 25 محامياً في محكمة الاستئناف، وبين هؤلاء لدينا محامية عربية أميركية واحدة، وهذه المحامية هي مريم سعد بزي التي تتحدر من مدينة بنت جبيل»، معرباً عن تقديره للقاضية اللبنانية الأصل باسم محافظ المقاطعة، وورن أفينز.
شقيق القاضية المحتفى بها، سامر سعد، ألقى كلمة باسم العائلة التي هاجرت من جنوب لبنان في عام 1972 وليس في جعبتها سوى «حلم ورؤية بإنشاء أسرة صالحة في العالم الجديد»، منوهاً بأن والديه ربّيا أبناءهم الستة على «العمل والأدب وتحمّل المسؤولية»، وقال إن «مريم كانت منذ طفولتها تقدّر التحصيل العلمي وتضعه على رأس أولوياتها، إلى جانب تحليها بالنزاهة والتعاطف والرغبة في خدمة الآخرين».
وشكر سامر ممثلي المجتمع المحلي لدعمهم المتواصل لشقيقته في مسيرتها القانونية والمجتمعية، مبرقاً بامتنان خاص لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ومدير الأمن العام اللبناني السابق اللواء عبّاس ابراهيم والنائب علي بزي لاتصالاتهم الهاتفية بعائلة سعد، لتهنئتهم بالنجاح الذي حققته القاضية مريم سعد بزي.
وألقى ناشر «صدى الوطن» أسامة السبلاني، كلمة مؤثرة تطرق فيها إلى علاقته الوطيدة بعائلة القاضية المكرمة، وقال: «إن التكريم اليوم هو مناسبة خاصة بالنسبة لي، لقد كان بيت والدها عارف سعد أول منزل ادعى إليه.. وكانت مريم حينها لاتزال طفلة.. لقد شاهدتها وهي تترعرع عبر السنين حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم الذي نحتفل فيه بنموذج فولاذي مثير للاحترام والإعجاب، وزوجة محبة، وأم عطوفة».
ووصف السبلاني، القاضية المكرمة بأنها «فرع عظيم من عائلة عظيمة من مدينة عظيمة.. هي بنت جبيل التي تتطلع إليها عقولنا وقلوبنا في هذه الأوقات»، وفق تعبيره.
وتطرق السبلاني إلى أبرز المحطات في مسيرة بزي القانونية والمجتمعية وصولاً إلى إنجازها التاريخي، حين قامت حاكمة ولاية ميشيغن غريتشن ويتمر بتعيينها في مايو المنصرم، معرباً عن شكره العميق للحاكمة الديمقراطية التي «أخبرتني خلال محادثة بيني وبينها بأن مريم هي الشخص الوحيد الذي يتفق عليه الديمقراطيون والجمهوريون في ولايتنا»، حسبما قال. وأضاف بأن «طموح وتفوق وإصرار وإنجازات مريم هي قصة ملهمة للأجيال القادمة»، مختتماً كلمته بالتأكيد على أن «الأفضل لم يأت بعد»، في إشارة إلى قوة وثراء إمكانيات الجالية العربية الأميركية.
مصدر اعتزاز وإلهام
شهد الحفل مشاركات أخرى، من بينها كلمة للناشطة يسرا حمادة، صديقة القاضية المحتفى بها، وأخرى لرئيس محكمة ديربورن القاضي سالم سلامة، وثالثة لابنتها نور، ورابعة لرئيس بلدية ديربورن هايتس بيل بزي. وقد أجمع المتحدثون على أهمية ورمزية النجاح الذي حققته القاضية مريم بزي، والقيمة المضافة إلى المجتمع العربي الأميركي في ميشيغن، وفي عموم الولايات المتحدة. وتميزت الكلمات، بروح عالية من الفخر والانتماء، والتأكيد على أهمية إنجاز بزي والثناء على عملها الدؤوب والتزامها بالقيم الأخلاقية والمهنية، بمواجهة شتى العقبات التي تواجه أبناء المجتمعات الإثنية في مسيرتهم نحو المواقع القيادية. كما عبّر المتحدثون عن أملهم بأن يكون تعيين بزي مصدر إلهام للأجيال الشابة، وخاصة الفتيات العربيات والمسلمات، لاقتحام ميادين العمل العام والعدالة بثقة وكفاءة، والمساهمة في رسم صورة أكثر شمولاً وتمثيلاً للتنوع الأميركي.
وقدّم عضو مجلس مفوضي مقاطعة وين، سام بيضون، شهادة تقدير باسم المجلس للقاضية مريم بزي، مشيداً بإنجازها التاريخي، ومعتبراً إياها نموذجاً مشرفاً للمرأة العربية الأميركية ومصدر فخر للجالية العربية الأميركية في ميشيغن.
وفي ختام الحفل، ألقت القاضية المكرمة كلمة عاطفية تخللتها الدموع في بعض المحطات المؤثرة، معربة عن شكرها لعديد الفعاليات العربية الأميركية التي وقفت إلى جانبها خلال مسيرتها القانونية والمجتمعية، ومن بينهم «الناشط السياسي المخضرم عبد حمود، وناشر صدى الوطن أسامة السبلاني، وأول قاض عربي في محكمة ديربورن هايتس ديفيد طرفة، وأول قاض عربي في محكمة ديربورن سالم سلامة»، إلى جانب امتنانها لأبويها وإخوتها وزوجها عبودي بزي، وأبنائها الثلاثة: نور وزين ويوسف.
وقالت بزي: «إنني أشعر بالتواضع وأنا أقف أمامكم اليوم هنا، هذه اللحظة ليست لحظتي وحدي، إنها لحظة مجتمعنا بأكمله»، مضيفة: «إنني أشعر دائماً بالقوة لأن مجتمعي يدعمني، مجتمعي القوي الذي يستمد صلابته من جذوره الممتدة إلى جنوب لبنان».
وأردفت بزي وسط تصفيق الحاضرين: «أنا فخورة لأن أكون بنت لبنان، وبنت الجنوب وبنت بنت جبيل».
نبذة عن بزي
تتمتع القاضية مريم بزي بخبرة قانونية واسعة، حيث شغلت منصب قاضٍ في محكمة مقاطعة وين منذ عام 2017 بعد تعيينها من قبل الحاكم الجمهوري السابق ريك سنايدر، وقد أعيد انتخابها مرتين متتاليتين منذ ذلك الحين، مما يعكس الثقة الكبيرة التي حازتها في الأوساط القضائية والقانونية بالولاية.
وإلى جانب عملها القضائي، نشطت بزي في عديد المجالات القانونية والتربوية والاجتماعية، حيث انتخبت لعضوية مجلس ديربورن التربوي وعدد من المنظمات والجمعيات، مثل «رابطة محاميي ديترويت» و«رابطة قضاة ميشيغن» و«الرابطة الوطنية للمحامين المسلمين»، كما شغلت عضوية «مجلس ميشيغن الاستشاري للشؤون الشرق أوسطية» ومنظمة LAHC (النادي اللبناني الأميركي سابقاً)، و«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك). كذلك، تولت رئاسة مجلس ديربورن التربوي الذي يشرف على المدارس العامة و«كلية هنري فورد» في المدينة.
وتحمل بزي شهادة الدكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة «وين ستايت»، ودرجة البكالوريوس في العلوم السياسية من «جامعة ميشيغن–ديربورن».
وبموجب قرار تعيينها في محكمة الاستئناف بميشيغن، سوف تخدم بزي في المنصب حتى مطلع عام 2027، حيث يتعين عليها خوض انتخابات المحكمة في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2026 للاحتفاظ بمقدها لولاية كاملة من ست سنوات. والجدير بالذكر أن محكمة الاستئناف في ميشيغن تضم 25 قاضياً، يتم انتخابهم في أربع دوائر انتخابية، هي: ديترويت، تروي، غراند رابيدز ولانسنغ.
Leave a Reply